عبد الفتاح الجبالى
القضايا الاقتصادية والولاية الثانية (1)
مع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات عن فوز الرئيس السيسي بفترة ولاية ثانية وبنسبة 97.08% من الاصوات والتي أكدت وبحق عن رغبة الشعب المصري في استكمال المسيرة التنموية والاصلاحية التي تشهدها البلاد، أصبح من الضروري التساؤل عن البرنامج الاقتصادي المتوقع والمزمع تنفيذه خلال الفترة المقبلة، لتحقيق الأهداف المنشودة للسواد الأعظم من المجتمع، خاصة في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة، خاصة أنها تتزامن مع مناقشة البرلمان المصري لمشروعي الخطة الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة الجديدة للعام المالي 2018/2019، وبالتالي فإننا في مرحلة لصنع السياسة الاقتصادية الجديدة بالتعاون بين الأطراف الثلاثة الرئاسة والحكومة والبرلمان، وبعبارة اخري فمناقشة هذه المشروعات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مدى مساهمته في تحسين معيشة السواد الأعظم من المجتمع، وزيادة التشغيل، وامتصاص فائض العمالة، والحد من ارتفاع الأسعار. وهنا يشير الفكر الاقتصادي إلى أن نجاح سياسة اقتصادية معينة، يتوقف على تحقيق مجموعة من الأهداف مع ضمان استمراريتها، وهي تتعلق بالأساس بتحقيق معدل نمو للناتج المحلى الإجمالي، يفوق معدل النمو السكاني، حتى يمكن تحقيق تحسن في مستويات المعيشة، وايجاد فرص توظف لجميع الداخلين إلى سوق العمل، والوفاء بمتطلبات الاستقرار في الأسعار، مع التوزيع العادل لثمار النمو على كل فئات المجتمع، والحد من التفاوت في توزيع الدخل، وهو ما يجعلها تحظي بقبول شعبي وتوافق حزبي
ولا شك أن استعراض تجربة مصر في الاصلاح الاقتصادي، وما قامت به الحكومة من إجراءات اقتصادية، وتغييرات قانونية في البيئة التشريعية بالمجتمع، خلال الولاية الاولي للرئيس، يشير الي أنها قد ركزت على إعادة التوازن إلى الموازين الأساسية للاقتصاد، أي الموازنة العامة وميزان المدفوعات، وذلك عن طريق العمل على تخفيض العجز المالي عن طريق إعادة النظر في سياسات الإنفاق العام، والاستثمار الحكومي، وتحسين مناخ الاستثمار (المحلى والأجنبي) وذلك بخفض الإنفاق العام في العديد من المجالات، خاصة الدعم السلعي، ومحاولة تعديل النظام الضريبي السائد جنبا الي جنب مع تعديل أسعار الصرف والفائدة، وإلغاء القيود على المعاملات الجارية، بغية إصلاح القطاع الخارجي وعلاج الخلل في ميزان المدفوعات، وذلك باعتبار أن سعر صرف العملة المصرية، مغالى فيه كثيراً، وهو ما يؤدى إلى ضياع القدرة التنافسية للاقتصاد القومي، ويشجع على المزيد من الاستيراد، وبالتالي تفاقم مشكلات الميزان التجاري، ناهيك عن التوسع في مشروعات البنية الأساسية من طرق وكباري وكهرباء، مع محاولة علاج الآثار السلبية لهذه السياسة، على الدخول الحقيقية للفئات الفقيرة، حيث تم التوسع في بعض برامج الحماية الاجتماعية مثل تكافل وكرامة، وزيادة الدعم النقدي الشهري للبطاقات التموينية، وزيادة قيمة الإعفاء الضريبي للتخفيف من وطأة هذه الإجراءات على الفقراء ومحدودي الدخل من هذه السياسة. وتشير المؤشرات الرسمية إلى أنها حققت نجاحات لا بأس بها، حيث انخفض العجز الكلي في الموازنة العامة للدولة إلى 10.9% عام 2016/2017 مقابل 12.5% عام 2015/2016، وكذلك انخفض المعدل السنوي للتضخم العام والاساسي ليسجل في فبراير 2018 نحو 14،4% و11.9% على التوالي، وذلك بعد ان كان قد بلغ ذروته في يوليو 2017 مسجلا 33% و35.3%، وتراكم احتياطيات من النقد الأجنبي تصل إلى 42.6 مليار دولار في نهاية مارس 2018، مقابل 13.4 مليار في نهاية مارس 2013 وكلها مؤشرات تشير الي التحسن الإيجابي وهو ما أدي إلي استعادة الثقة في الاقتصاد القومي وبالتالي زادت نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 2.1% عام 2015/2016 الي 3.4% عام 2016/2017
ولكن مازال هناك العديد من المشكلات المهمة والجوهرية التي يعانيها الاقتصاد المصري يأتي على رأسها ارتفاع معدلات الفقر (تصل الي 27.6% وتركزها في محافظات الصعيد) وارتفاع معدل البطالة حيث يصل الي 12%، وذلك رغم انخفاضها النسبي خلال الآونة الأخيرة الا انها مازالت مرتفعة للغاية خاصة بين الشباب، وارتفاع حجم الدين العام الحكومي (المحلي والخارجي) ليصل الي نحو 106% من الناتج المحلي، مع استمرار الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، ومن أهمها ضعف الإنتاجية وتباطؤ نمو القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة وانخفاض معدلات الاستثمار بشدة حيث لا يتجاوز 15% من الناتج، وتدهور معدل الادخار الي ما دون 5%
والقضاء علي هذه المشكلات يتطلب الانتقال إلى المرحلة الثانية والأهم في الاصلاح، ونقصد بها تحديدا قضايا الإنتاج والإنتاجية من خلال التوسع المنظم والفعال في بناء القواعد الإنتاجية وتعبئة الموارد المحلية واستخدامها أفضل استخدام ممكن. وبالتالي يجب العمل على التوسع فى تسهيل. وتطبيق سياسات عاجلة لتحفيز الاستثمار والنشاط الاقتصادي عموما، وذلك عن طريق إيجاد بيئة اقتصادية قوية ومستوى صناعي معقول، ونمو زراعي يساعد على تلبية الاحتياجات الأساسية. والاستفادة المثلى من الطاقات المتاحة، وذلك بغية امتصاص البطالة ورفع مستوى المعيشة.
وتدلنا معظم الدراسات التي أجريت على التجارب التنموية الناجحة على العديد من الأمور المهمة يأتي علي رأسها أن عملية النمو معقدة للغاية، ولا تخضع للصيغ والمعادلات البسيطة، ولكنها ترتبط أساسا بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد وبالتالي يجب أن يكون النمو متوازنا وقادرا على توليد وظائف وخدمات اجتماعية كافية تسمح للجميع بالعيش في أمن وكرامة وتعود بالنفع على مختلف شرائح المجتمع. وهي أمور تتطلب تعديل المسار الاقتصادي الحالي والسير به فى الاتجاهات التى تستطيع علاج المشكلات الجوهرية في الاقتصاد عن طريق تحريك عملية التنمية، إلى ما هو أبعد من وضعها الحالي. والسير بها في طريق «التنمية الاحتوائية الشاملة» والتي ترى أن النمو وعدالة التوزيع وجهان لعملة واحدة، وأن العدالة الاجتماعية تُعد قوة دافعة للنمو الاقتصادي.
وذلك انطلاقا من أن السياسات الملائمة للنمو الاقتصادي طويل الأجل، هي تلك التي ترتبط بتحسين توزيع العوائد على جميع قطاعات وفئات المجتمع. من خلال منظومة تنموية متكاملة تهدف إلى الارتفاع بمعدلات التنمية وتحقيق الرفاهية والارتقاء بمستوى معيشة الأفراد من هذا المنطلق، فان مواجهة ما نعانيه من مشكلات تحتاج إلى إرادة سياسية عن طريق تفعيل دور الدولة لتعويض أوجه النقص فى هذا النظام. وتنشأ الحاجة إلى التدخل الحكومي لضبط عملية السوق.