بوابة الشروق
أسامة غريب
لا.. لم تعد بروفة!
«يميل معظم الناس إلى الإكثار من الشكوى، لذا فإنهم يجدون من حسن الطالع لو ألم بهم شىء من المرض، كما يجدونها مناسبة طيبة أن يتعرضوا للإخفاق البسيط فى هذا الأمر أو ذاك لأن هذا يمنحهم الفرصة ليؤلفوا من وحى المغص الطارئ أو موعد القطار الذى فاتهم حواديت يلقونها فى وجه الرائح والغادى..حواديت تستمر شهورا طويلة عن الألم والمعاناة وسوء البخت والنوبات المفاجئة والأعراض المتصاعدة والطبيب الذى لم يصدق ما رآه.. حواديت تتخذ أشكالا وألوانا على حسب نوع وجنس المستمع وتزيد وتنقص تبعا لمقتضيات الدراما. الغريب أن هذه الحَكايا التى تبدأ وصاحبها واعٍ بحجم الكذب أو المبالغة تنتهى وقد آمن تماما بأن حياته كانت فى خطر وأن عمرا جديدا قد كُتب له!.

أما صديقى أحمد خالد توفيق فقد فعل العكس تماما.. لقد مر بتجربة الموت ثم العودة من الموت وتعامل مع الموضوع وكأنه تعرض لنوبة زكام وشفى منها!. استمعت منه إلى تفاصيل تجربة موت تعرض لها فى ربيع عام 2011 عندما توقف قلبه عن الخفقان لمدة عشر دقائق كاملة! حكى لى خالد عن هذه التجربة الرهيبة بالبساطة والمرح اللذين يميزانه وقال إنها كانت متاعب بسيطة وراحت لحالها!

لم يتغير المرح الذى يتحدث به حتى وهو يرانى أرتجف من هول ما أسمع.. لقد تخلى عنه القلب وأسلمه للموت لكن إرادة الله شاءت أن يحيا ليروى ما حدث. هذا أول شخص من بين أصدقائى يتوقف قلبه ثم يعود للعمل بالصدمات الكهربائية. ما حدث بعد ذلك أنه تم نقله إلى مستشفى بالقاهرة حيث قاموا بتركيب جهاز دقيق داخل صدره يختلف عن الجهاز المنظم لضربات القلب.. وهذا الجهاز يتدخل فى الوقت المناسب عندما يتوقف القلب فيقوم بضربه وتسديد شحنة كهربية ترعش القلب وتعيده للحياة.. والجدير بالذكر أن هذه الضربات مؤلمة للغاية وتزلزل كيان صاحبها رغم أنها تنقذه من الموت. الجديد الذى أضافه توفيق إلى معلوماتنا عن الموت من وحى تجربته أن المسألة عبارة عن إظلام وانقطاع الإرسال ثم عودة الإرسال مع حذف عشر دقائق من الفيلم!..أى أنه ليس هناك نفق يعبره الشخص ولا ضوء أبيض ولا طيور ترفرف من حوله.. الأمر ببساطة هو أنك كنت موجودا وفجأة لم تعد موجودا.

إن صاحب هذه التجربة المهولة الأديب الكبير أحمد خالد توفيق عندما رواها فإنه تحدث بمنتهى السهولة والاختصار مع خلو روايته من أى عناصر ميلودرامية أو محاولات لجعل نفسه مركز الكون.. هذا على الرغم من أنه يستحق أن ينشغل به كل من أحب فنه واستمتع بأعماله الراقية.

هذا نموذج للبشر الذين أحبهم وأدعو الله أن يتركنى أنعم بصحبتهم حيث إن وجودهم فى الحياة يعنى لى الكثير».
ما سبق هو مقال كتبته منذ فترة عن صديقى المرحوم أحمد خالد توفيق بعنوان «بروفة موت».. واليوم بعد أن رحل لا أجد نفسى قادرا على رثائه.. فقط أدعو الله أن يُلحقنى به لو كان فى الموت ما يضمن لى أن أراه وأجلس معه من جديد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف