الجمهورية
جلاء جاب اللة
الجد.. والحفيد من "نجريج" إلي "سانت بطرسبورج"
آفتنا الحقيقية أننا لا نعرف بلدنا جيداً.. ولا نعرف مصر الحقيقية بينما الآخرون يعرفونها ويدرسونها ويعرفون جيداً قيمتها.
مصر التي أنشأت الحضارة الإنسانية لا يعرفها المصريون حتي أبناء القري والمدن لا يعرفون قيمة البلدة التي ولدوا فيها وعاشوا فيها.. فما بالك بمصر نفسها.
أقول ذلك بمناسبة جلسة طويلة وحوار مفتوح امتد مع عمدة قرية نجريج محافظة الغربية وهي قرية نجم الكرة المصرية العالمي محمد صلاح.. والعمدة هو أشهر عمدة في مصر المهندس ماهر شتيه الذي يعتبر المرجعية الصادقة في كل ما يتعلق بنجم مصر العالمي في بلدته أو في مصر.
خلال حوارنا عن نجريج وأهلها فاجأني بمعلومة رائعة وهي أن ابن القرية "نجريج" محمد صلاح ليس أول نجم موهوب في القرية يصل إلي روسيا بعد أن قاد منتخب مصر إلي مونديال روسيا.. بل سبقه بحوالي مائتي عام.. واحد من أبناء نفس القرية نجريج هو المعلم "أي المدرس أو الأستاذ" محمد عياد الطنطاوي النجريجي.. وهو بذلك نسب نفسه إلي نجريج وطنطا.
محمد عياد ابن قرية نجريج كان أبوه تاجراً في القرية وأحياناً يتنقل بين أسواق القري المجاورة.. ولد محمد عياد عام 1810 أي بعد أن تولي محمد علي حكم مصر بحوالي خمس سنوات.. حفظ القرآن.. وأكمل تعليمه في المعهد الأحمدي في طنطا ثم الأزهر بالقاهرة وتوفي أبوه ولم يكمل تعليمه.. فاتجه إلي التدريس.. ومن خلال التدريس لأبناء الجاليات التي تدرس في الأزهر تعلم محمد عياد خمس لغات بامتياز وهي الروسية والإنجليزية والفرنسية والتركية والتتارية حتي إن روسيا طلبت من محمد علي أن يوفد إليها عياد لتدريس من يرغب في تعلم العربية هناك خاصة أن هناك دولاً إسلامية مجاورة.
سافر عياد إلي روسيا عام 1840 وكان عمره ثلاثين عاماً فقط.. وهناك أسس قسماً للغة العربية في كلية اللغات الشرقية بجامعة سانت بطرسبورج.. وبعد أربع سنوات عاد إلي مصر وتحديداً إلي قريته نجريج وكأنه كان يودعها حيث عاد إلي سانت بطرسبورج ليكمل مهمته في تعليم شباب هذه الدول لغة القرآن.. حتي إنه أصيب بالشلل الرعاش في أخريات عمره.. ولم يتوقف عن المهمة حتي مات هناك.. ومن تلامذته سفراء وقناصل ورجال أعمال ودبلوماسون ورسميون كثيرون في روسيا والدول المجاورة أو الدول التي انضمت للاتحاد السوفيتي.
ومات عياد عام 1861 عن عمر 51 عاماً فقط فاحتفت به الجامعة وأطلقت اسمه علي القسم ووضعت تمثالاً وصفياً له في مدخل الكلية.
الدكتور حسين الشافعي رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم اكتشف هذا الكنز المصري في سانت بطرسبورج فقرر أن يحتفي به في مصر.. وبالفعل أقيم احتفال كبير في نجريج حضره المحافظ النشط أحمد ضيف صقر محافظ الغربية حيث أطلق اسم المعلم محمد عياد علي المدرسة الإعدادية بالقرية.. وهي نفس المدرسة التي تخرج فيها نجم مصر الموهوب محمد صلاح.. الذي قاد منتخب مصر للتأهل لمونديال روسيا هذا العام.. وسيلعب صلاح ومنتخب مصر مباراته الثانية في الدور الأول للمونديال يوم 19 يونيو بملعب كريستوفسكي في سانت بطرسبورج.. أي أن الحفيد صلاح سيذهب إلي نفس المدينة التي شهدت تألق الجد عياد ليكرر التألق المصري هناك إن شاء الله.
الحفيد سيقود منتخب مصر ليرسل رسالة إلي أهالي سانت بطرسبورج أن مصر دائماً رمز للعطاء والتألق والموهبة ونشر الحضارة والعلم ولأن القضية ليست كرة القدم بل النموذج الذي يقدمه صلاح وزملاؤه في المونديال باسم مصر.. وباسم المصريين.
من الجد.. إلي الحفيد.. تظل مصر رمزاً للعطاء والحب.
نحن نحتاج إلي أن نعيد دراسة تاريخنا علي أرض الواقع لكي يعرف شبابنا وأطفالنا حقيقة تلك الأرض الطيبة التي كرمها الله وكرم شعبها وأهلها فكانت مهداً للحضارة وحماها الله بأمنه وأمانه دوماً.
كل شبر في مصر يحكي قصة.. وكل مكان يروي حكاية تؤكد عظمة هذا الشعب ومكانة هذه الأرض الطيبة.. قد لا يعرف كثيرون مثلاً أن مدينة بسيون وهي المدينة التي تتبعها نجريج كانت مدينة منذ العصور القديمة وهي الأسرة السادسة والعشرون من الدولة المصرية القديمة وكانت عاصمتها صاو أو صالحجر الآن.. وبسيون بالهليروغليفية تعني الحمام.. فهذه المنطقة منذ العصور القديمة مهد للحضارة.. مثل الشرقية والدقهلية وبحيرة المنزلة وهناك حضارات قديمة ومتطورة وحديثة في كل بقعة من أرض مصر.
مدينتي الجمالية دقهلية أسسها الوزير الفاطمي بدر الدين الجمالي وهو الذي أسس الجمالية في القاهرة الفاطمية والجمالية في قنا وفي محافظات أخري.. وللجمالية كما ذكر الجبرتي موقعة شهيرة مع الحملة الفرنسية وكان قائد الحملة التي وصلت إلي الجمالية عبر البحر الصغير اسمه "داماص" وحكي كيف أن أهل الجمالية قد واجهوا الحملة الفرنسية بشجاعة وهزموهم بعد أن نجحوا في خفض منسوب الماء في الترعة واصطادوهم بالطوب وكرات النار حتي استسلموا..!!
الجمالية هي نفسها مسقط رأس المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية وأنشط من تولي رئاسة وزراء مصر.. والمهندس عصام راضي وزير الري الأسبق رحمه الله وصاحب الخبرة المميزة في مجال الري حتي إن أحد كبار المهندسين قال لي إن عصام راضي يحفظ أسماء ومواقع كل الترع في مصر.. وهي أيضاً مسقط رأس الأديب الكبير محمد البساطي.. والأديب محمد محمود رضوان ومسقط رأس الأستاذ الدكتور عبدالحميد الدواخلي أول من تولي منصب أستاذ كرسي في جامعة القاهرة بكلية الآداب والشيخ الشافعي الدواخلي واحد من أهم رموز الأزهر الشريف رحمهم الله وجزاهم خيراً.
ولو ظللت أذكر أسماء النابغين من أبناء الجمالية لاحتجت كتاباً فمنهم أيضاً أستاذ اللغة العربية الأول عبدالفتاح لاشين وياضي الفذ محمود لاشين ومنهم رجل المخابرات المصرية محمد كفافي رحمه الله وأذكر أن مناضلاً عراقياً كتب كتاباً عن فترة هروبه وعدد من الشباب الثوري إلي مصر في الستينيات وكيف أن محمد كفافي كان يرعاهم ويهتم بهم ليلاً ونهاراً.. وذكر اسمه في الكتاب كثيراً ليدلل علي عظمة هذا الرجل ونجاحه في التعامل مع الشباب الثوري في كل الدول العربية التي كانت تحاول الاستقلال من براثن الاستعمار آنذاك.
أعرف أنني لن أستطيع أن أذكر كل أسماء النوابغ والمميزين وأصحاب الأيدي البيضاء في الجمالية دقهلية ولكن عذري أنني أعد كتاباً عن بلدي الآن ليجمع هؤلاء جميعاً للتاريخ ولأذكر أن مدينة واحدة في ريف مصر جمعت كل هؤلاء ولها هذا التاريخ الناصع منذ نشأتها في العهد الفاطمي وحتي الآن ولأذكر أن مثل الجمالية آلاف المدن والقري لها تاريخ وحضارة وأنجبت أساتذة ونوابغ في كل مجال من مجالات الحياة والحضارة.
أعتقد أن هذا المشروع الحضاري يحتاج إلي جهد كبير وليت الدولة تهتم بهذا النموذج والذي بدأت الحديث عنه من خلال ملك القلوب محمد صلاح وقرية لا يزيد تعداد سكانها علي 15 ألف نسمة وبها مدرسة تضم حوالي 2800 تلميذ ولعلها مناسبة لأن أناشد المحافظ القدير المحترم اللواء أحمد ضيف لكي يفصل المدرسة إلي مدرستين ابتدائية وإعدادية حتي يمكنها استيعاب التلاميذ فمن المؤكد أن من بين هؤلاء عشرات يملكون موهبة محمد صلاح في الكرة والثقافة والفن والابتكار العلمي.. وعشرات يملكون نفس موهبة المعلم محمد عياد الطنطاوي.
تاريخ مصر الحضارة يحتاج أن ننبش فيه ونبحث عن أسراره التي تزيدنا فخراً بك يا مصر..!!
همس الروح
** من يملك قلباً صادقاً.. لا يستطيع أن ينسي من أحب.
** من يسكن الروح.. كيف القلب ينساه!؟
** بالحب نحيا.. وللحب نعيش.. لكن أي حب؟
** خلق الله الأرواح.. والقلوب لكي تنبض بالحب.. فلتجعل حب الله هو الغاية.
** لا يخجل من الحب إلا من فهم خطأ معني الإحساس!!
** الحب هو الصدق.. والصدق أروع ما يملكه القلب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف