الأهرام
أحمد سعيد طنطاوى
هل جربت لعبة ميكروباص رمسيس؟!
هل جربت يوما ما في حياتك ركوب ميكروباص داخل القاهرة يسمى "رمسيس"؟!.. هذا النوع تحديدًا دونًا عن بقية الأنواع.. عندما تراه من الخارج تشعر أنك في لعبة من ألعاب السباق والتصادم المنتشرة على تطبيقات الهواتف الذكية.. ففي هذه الألعاب، السيارة لا تفنى مهما حدث لها من حوادث وصدامات ولا اللعبة ستتوقف.. وإن كان في بعض الألعاب يجب عليك استبدال السيارة من فترة لأخرى (كلعبة جتا GTA مثلًا).. إلا أن ميكروباص رمسيس لا يفنى ولا تخدش له جوانب.
جسم الميكروباص من الخارج مدعوم بالحديد من كل جوانبه (الحديد وليس الصاج).. كأنه بطل أسطوري تأهب للحرب فخرج لتوه من خيمته، مُحصنًا نفسه بكل الدروع الحديدة الممكنة، وليس ذاهبا لتوصيل الناس إلى أعمالهم، فكل زواياه حادة.. كل نوافذه حادة.. الذي صممه يستحق جائزة عالمية في القبح وانعدام الذوق وفقر التصميم.. فالتصميم عبارة عن مكعب بزواياه الحادة المعروفة مع جعل الزجاج الأمامي مائلا إلى الخلف قليلًا.

أما عن التصميم الداخلي فحدث ولا حرج.. ارتفاع لا يليق بدخول وخروج الركاب بسهولة ويسر.. ارتفاع يقترب من 50 سنتيمترًا.. فصعود الجبل أقل خفه وأسهل وطأة.. وعندما تدخل فيه تصطدم مباشرة بمسند الكرسي الأول في وجهك.. فلا تعرف هل هذا عائق حربي أم أنك تناور للتفاوض لتحصل على حقك في الأرض.. والأرض هنا هي مكان للجلوس فيه حتى تصل إلى المدينة المرغوبة.

كما أن الموتور الذي يشع حرارة داخلية على الركاب هو الآخر مشهد أسطوري، كدخان حرب من قبائل الهنود الحمر استعدادًا لحرب جديدة أو حرب قائمة بالفعل.. بخلاف الباب الذي عادة لا يفتح وإذا فتح فهو يفتح من الخارج فقط وعندما يفتح فصاحب الميكروباص يربطه بحبل لأن زاوية دورانه حول محوره 360 درجة.. ويخشى صاحب الميكروباص أن يخبط هذا الباب بقية جسد الميكروباص.. ولذلك فهو يروضه بحبل حتى يلجمه من اللف والدوران.

ميكروباص رمسيس عندما يسير في الشارع لا تستطيع سيارة ما – مهما كان نوعها - أن تسير بجواره أو الاقتراب منه أو المناورة معه أو محاولة الدخول معه في صراع.. فهو فائز بلا محالة.. هو المتدرع بكل أنواع الأسلحة والسيارة الأخرى لا تعرف أن حربًا قد أعلنت بالفعل.. والنتيجة معروفة مقدمًا ومحسومة كما في الألعاب الإلكترونية.. فالسيارة في الألعاب (إلا نادرًا) لا تُخدش ولا تُمس أو حتى يعتريها الصدأ.

ميكروباص رمسيس، هو حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. حرب في الشكل والتصميم وحرب في الداخل وحرب في الجلوس والركوب والنزول وحرب في الشارع.. وبعد كل ما سبق.. ماذا عن الاسم؟!.. هل فكرت يوما ما لماذا أطلقوا عليه هذا الاسم "رمسيس" تحديدًا، دون بقية الأسماء.. لماذا هذا الاسم القديم البالغ في القدم؟!.. هل للاسم علاقة بحروب الملك رمسيس العظيم.. وعرباته الشهيرة .. أو ميكروباصه الشهير؟!! .. صراحة الذي اختار تسميه هذا الميكروباص برمسيس هو عبقري يستحق جائزة كبرى بلا سخرية أو تهكم.

للحقيقة أتفهم كل أخطاء التصميم الخارجي والداخلي لهذا الميكروباص - إن كان صناعة محلية مائة في المائة.. على أن يتم تطويره لاحقا.. لكنه ليس كذلك فلا هو مصري ولا هو صناعة محلية .. وشخصيا أعتبره كائنا فضائيا يسير في شوارع القاهرة.. أو اعتبره أحد مخلفات الحرب العالمية الأولى تسير في شوارع المحروسة.

عند الشعب المصري جملة شديدة العبقرية من وجهة نظري تقول: لو جرب المسئول كذا لتغير الحال؟!.. و"كذا" هنا ضع بديلا عنها أو مكانها أي شيء.. فمثلا لو جرب المسئول استخراج شهادة حكومية من مجمع التحرير.. لو جرب المسئول ركوب المترو بنفسه.. لو جرب المسئول الوقوف في طابور العيش.. لو جرب المسئول دخول المستشفيات الحكومية بديلا عن المستشفيات الخاصة، وهكذا تستمر هذه الجملة العبقرية في كشف زيف وإدعاء كثير من المسئولين الذين يخرجون علينا ليقولوا لنا إنهم يشعرون بما يعانيه المواطن في يومه.. خاصة إذا خرج الادعاء من المكاتب المكيفة.

ماذا لو جرب المسئول ركوب ميكروباص رمسيس؟!!

ميكروباص رمسيس مثال حي على أن حروب القرون الوسطي لم تنته بعد فمازالت الحرب قائمة في شوارع القاهرة.. لمن يُحب أن يشاهدها ويجربها.. فالأدرينالين سيصل بكم إلى ذروته العليا.

هامش: بقى أن أشير أن فكرة المقال واقتران ميكروباص رمسيس عندي بالألعاب الإلكترونية مستوحاة من ملصق شاهدته منذ عدة سنوات استبدل فيه مصمم الملصق سيارات لعبة (need for speed) الشهيرة.. بميكروباصات رمسيس.. فتحياتي لصاحب التصميم.. وشكرا له.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف