الأخبار
أمال عثمان
أوراق شخصية جائزة البوكر والنزاعات غير المسلحة!
اعتدنا في الوطن العربي علي تشكيك بعضنا في بعض، وافتراض المجاملة والانحياز والاضطهاد في منح الجوائز أو الحرمان منها، فلا تخلو جائزة في مجال من مجالات الإبداع الأدبي والفني من خلافات وانتقادات وتلاسنات، تصل إلي حد المصادمات والنزاعات غير المسلحة، والتشكيك في شرعية الجائزة وأهميتها ودورها، والإساءة والتجريح في لجان تحكيمها والجهة التي تمنحها !!
أقول ذلك بمناسبة الهجوم السنوي علي جائزة البوكر الدولية للرواية العربية، فلا يمر عام دون جدل وخلافات في الأوساط الثقافية، سواء حول قائمة الاختيارات الطويلة، أو قائمة الترشيحات القصيرة، أو حول الرواية الفائزة بالجائزة، وفي حين يري البعض أن الجائزة صرح ثقافي عظيم أسهم في تحفيز المبدعين وإنعاش الرواية العربية، فإن آخرين يتهمونها بافتقاد النزاهة وغياب الشفافية وسوء الاختيار، وأن هناك »مافيا»‬ تشرف علي الجائزة وفق سياسات وحسابات وعلاقات، وأنها تلعب دورا لتهميش أعمال روائية تستحق التربع علي القمة.
والحق أنه لا ينكر منصف أن الجائزة استطاعت أن تؤثر في المشهد الثقافي العربي من المحيط إلي الخليج، وأضحت مطمحا وحلما يصبو إليه كبار الروائيين وشبابهم في الوطن العربي، فتلك الجائزة الدولية التي ترعاها مؤسسة »‬بوكر» البريطانية، وتمولها هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، خلقت حالة من الزخم الروائي، ومنحت أسماء شهرة وحضورا علي الساحة العربية، وضاعفت من مبيعات الروايات الفائزة.
وبصرف النظر عن الاتهامات سابقة التجهيز التي تلاحقها، والاعتبارات والحسابات التي يراها من استُبعد من القوائم، فإن معضلة اختيارات لجان التحكيم، والذائقة التي تختلف من لجنة إلي أخري، تظل أمرا لا يمكن حسمه في أي جوائز عربية أو دولية ، وإذا كان من اليسير علي تلك اللجان الحكم علي رواية شديدة التميز بوضوح، وفارقة بين الروايات المتقدمة بصورة جلية وساطعة، فمن الصعوبة وضع محددات ومعايير مسبقة لقياس الأفضلية بين روايات متقاربة الجودة، ويظل الحسم والمفاضلة بين تلك الأعمال قريبة المستوي عملية شاقة ، والنتائج محل جدل وخلاف ، وغير مرضية للجميع.
للمرة الثانية طوال عمر الجائزة الممتد 11 عاما تخرج مصر من القائمة القصيرة المرشحة لنيل الجائزة ، بعد وصول روايتين إلي القائمة الطويلة التي ضمت 16 عملا روائيا من مختلف الدول العربية ، حيث استبعدت اللجنة »‬حصن التراب» للروائي أحمد عبد اللطيف ، و»‬شغف» للروائية رشا عدلي ، وهو ما جعل البعض يدخل علي خط الاتهامات والتشكيك، سواء علي مستوي المبدعين أم القراء ، ففي حين وجه البعض سهام النقد والتشكيك بعد استبعاد الروايتين المصريتين من القائمة القصيرة التي تضم 6 روايات ، واعتبروا أن ذلك نوعا من الظلم والاضطهاد ، رأي آخرون أن هذا يعكس حالة الركود الثقافي وتراجعا في الخيال الأدبي ، بل وخطوة إلي الخلف للقوة الناعمة المصرية .
وبعيدا عن شماعات الإخفاق ومبررات الاستبعاد، والتدثر برداء الغبن والإجحاف والاضطهاد، فلابد من الاعتراف بأن هناك تراجعا في الإنتاج الأدبي والفني ، وإهدارا وتجاهلا وعدم رعاية للطاقات الإبداعية التي يزخر بها الوطن، وما يزيد الطين بلة الضغوط التي تمارس علي المبدعين من المجتمع والدولة ، بالله عليكم ماذا ننتظر من هؤلاء المبدعين الذين يعانون من شظف العيش وضيق اليد، ويكابدون حالة من الإنهاك الاقتصادي الذي يهدد الطبقة المتوسطة في المجتمع ، ويدفع إلي تآكلها ؟!
إن إحياء »‬القوة الناعمة المصرية» وازدهارها، لا يتأتي بإطلاق الاحتفالات والحملات الترويجية، أو الانغماس في الشيفونية ، والعيش في جلباب الاضطهاد والشعور بالظلم ، كما أن الهدف الذي أعلنته وزارة الخارجية فـــي احتفالهـــا بيوم الدبلوماســـية ، لإظهار ما تحظي به مصر من ثراء وتعدد روافد الإبداع الإنساني ، من خلال حملة »‬كلنا سفراء لمصر »‬ لن يتحقق فقط بالترويج للقوة الناعمة ، واستضافة الفاعليات والأنشطة الثقافية والفنية والمعارض ، وجولات المبدعين وزياراتهم، وإنما باهتمام الدولة بمختلف أجهزتها ووزاراتها ومؤسساتها بالطبقة المتوسطة المثقفة التي ينتمي إليها هؤلاء المبدعون ، وحمايتها من التآكل والانحدار إلي الطبقة الأدني ، في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي والديني والسياسي الذي يهدر طاقتهم، ويبدد إبداعاتهم وطموحاتهم ، في كنف الإهمال المتعمد لملف الثقافة والتعليم ، وغياب القوة المحركة والمنتجة والمصنعة للثقافة .


تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف