المصريون
جمال سلطان
هل أغلق باب الإصلاح والتغيير في مصر ؟
كان قطاع واسع من النخبة السياسية يتوقع أن تكون الفترة الثانية من ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي أخف وطأة في عنفها المؤسسي وحصارها للحياة السياسية وخنقها للإعلام وتضييقها على المجتمع المدني ، على اعتبار أنها المرحلة الحاسمة والأخيرة لكي يترك بصمته التي لم توضع بعد على الحياة في مصر ، وأن السنوات الأربع الماضية كانت تعمل في أجواء عاصفة جعلته مهموما أكثر بتثبيت النظام وحمايته وتحصينه من أي موجة ثورية أو غير ثورية تتسبب في إرباك البلد ، وهذه المرحلة مرت ـ رغم تكاليفها الكبيرة ـ إلا أنها مرت ، واستقرت الأمور له إلى حد كبير ، ومن ثم فكان متوقعا أن تكون الفترة الرئاسية الثانية لسياسات جديدة مختلفة كليا أو بشكل كبير عن سياسات المرحلة الأولى .
غير أن بعض الأحداث التي وقعت خلال الأسبوع الماضي أصابت هذا الفريق بالإحباط وربما اليأس من أي أمل في الإصلاح في مصر ، وأن البلاد تتجه إلى مصيرها المحتوم ، لأن الآذان كلها مسدودة ، من كل الأطراف ، وقبل أن تعلن نتائج الانتخابات كانت إحدى الصحف المستقلة الكبرى تتعرض لموجة تعنيف وتهديد ، وغرامة بحوالي مائة وخمسين ألف جنيه ، ومطالب باعتذار في الصفحة الأولى للهيئة الوطنية للانتخابات مع إحالة الصحيفة للتحقيق بمعرفة أكثر من جهة ، وتطورت الأمور إلى حد إقالة رئيس تحريرها رغم شهادة الجميع بأنه نقل الصحيفة نقلة مهنية كبيرة وكانت له بصمة إيجابية واضحة في الفترة التي تولى فيها المسئولية ، ولم يشفع له ذلك وتم عزله ، ليس هذا فحسب ، بل اضطروا الصحيفة إلى أن توقف أحد أهم كتابها وأكثرهم مقروئية ، وهو الأستاذ عبد الناصر سلامة ، فاختفى مقاله وتم إبلاغه بأنه غير مرغوب فيه على صفحات الصحيفة ، وبدون شرح أو تفصيل ، لكن الجميع يعلم الخلفيات والأسباب .
كل ذلك بسبب أن الصحيفة نشرت مانشيتا اعتبره البعض مسيئا لأجواء الانتخابات ، رغم أن خبراء المهنة شبه مجمعين على أنه عنوان مهني محترم ولا يحمل أي إهانة ، حتى ولو حمل نقدا سياسيا ، فهذا جزء حيوي من دور الصحيفة كصحيفة مستقلة وليست صحيفة حكومية ، كما أن المانشيت مؤسس على شهادات وأقوال رجال الدولة أنفسهم ، ولكن من يسمع لك الآن ، ومن يبادل الرأي بالرأي والعقل بالعقل .
أيضا ، شمل الغضب الرسمي موقعا إخباريا معروفا ، وتم تغريمه خمسين ألف جنيه بسبب نشره تقريرا إخباريا ترجمه عن واحدة من كبريات الصحف العالمية ، النيويورك تايمز ، يشير إلى بعض السلبيات التي حدثت أثناء الانتخابات ، وهو كلام يسهل الرد عليه ، مثلما حدث مع غيرهم ، وهيئة الاستعلامات لم تقصر في ذلك وتعمل بيقظة واضحة تجاه أي كلام سلبي في الإعلام الدولي عن الانتخابات أو أي سياسات مصرية ، ولكن البعض رأي أن يتم فرض عقوبة حتى قبل أن يكون هناك تحقيق ، ثم تطور الأمر باقتحام قوة أمنية لمقر الموقع لاتهامه بأنه يعمل بدون ترخيص حسب البيان الرسمي لوزارة الداخلية ، ثم القبض على رئيس تحريره وهو صحفي كبير ومعروف ، وإحالته للنيابة التي قررت حبسه خمسة عشر يوما على ذمة اتهامه بجموعة اتهامات الغريب أنه ليس من بينها الاتهام الذي على أساسه ألقت الداخلية القبض عليه ، وهو عمل المنشأة بدون ترخيص .
هذه المواقف أعطت رسائل سلبية للغاية ، في الداخل والخارج ، وما نشر في الخارج عما جرى أسوأ كثيرا مما قيل عن الانتخابات ذاتها ، وتكلفته السياسية باهظة جدا ، وأضاعت كل ما تبقى من جهد بذله النظام السياسي المصري لتحسين صورته في الخارج ، وأما في الداخل فقد أعطت تلك المواقف إشارات إلى أن القادم لن يكون مختلفا عما مضى بل ربما أكثر صعوبة وقسوة ، وأن باب الإصلاح والتغيير قد أغلق .
الرئيس السيسي كقائد مسئول عن مصير واحتياجات مائة مليون إنسان ، صحة وتعليما وطعاما وشرابا ومواصلات وفرص عمل وإنقاذ بنية أساسية مهترئة وخلافه ، ليس من مصلحته أبدا أن يخوض معركة استنزاف سياسية عنيفة وحادة مع جميع معارضيه وبأفق مفتوح ، وشخصيا لا أتصور ذلك ، لأنه كقائد يريد أن ينجح ويريد أن تستقر سفينة الوطن ، ويريد أن يحقق تنمية تسمح باستيعاب الملايين التي تتدفق في المجتمع كل عام وتدخل سوق العمل تطلب عملا ووظائف ومسكنا وغير ذلك ، والصراع السياسي المفتوح والمرير مع الجميع وبالشكل الذي تشهده مصر والذي يصل إلى حد الانقسام المجتمعي بأحقاده ومراراته وليس مجرد المعارضة السياسية ، يستحيل معه أن ينجح هو أو غيره ، وستظل الدولة مستنزفة في صراعات بلا معنى ولا نهاية ، ومؤسساتها وأجهزتها وأدواتها وأموالها تهدر في جهود وخطط متلاحقة للسيطرة والمواجهة والتأمين ، سفينة الوطن بذلك لن تتحرك خطوة واحدة ، وستظل قلقة ومهددة ومهتزة يتملك سكانها الخوف وغياب اليقين بالمستقبل ، سفينة مثقوبة ، فمهما كان الملاح ماهرا ، لكنها مثقوبة في أكثر من موضع ، وكلما أدركت ثقبا فتحوا لك غيره .
هل ما حدث خلال الأسبوع الماضي هو مؤشر على استمرارية وتيرة العنف المؤسسي الذي صبغ الفترة الأولى بصبغته ، وأن تلك السياسات مستمرة ، وباب الإصلاح أغلق نهائيا ، أم أنها مواقف يمكن وضعها بين قوسين لتصفية حسابات لبعض الأشخاص أو المؤسسات ، بشكل شخصي ، وليست سياسات دولة أو توجهات الرئاسة الجديدة ، شخصيا أميل إلى أن السياسات ستتغير ، والإصلاح قادم ، وأن القيادة ستفكر جديا في تفريغ الاحتقان المجتمعي ، وستبذل جهدا تدريجيا لتخفيف أو انهاء الانقسام الوطني الخطير ، ليس لصالح أي قوة أخرى مهما كانت ، بل لصالح السيسي نفسه ، لأن رغبته الفطرية في النجاح مسألة بديهية ، وغير ذلك هو الذي يصعب تصوره .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف