حضرت يومين من فعاليات مهرجان دمنهور الدولى السادس للفلكلور وسعدت أيما سعادة للعديد من الاسباب. سعدت لأن وزارة الثقافة المصرية تهتم بإقامة تظاهرات دولية لفنون منسية لا يحضرها النجوم المشاهير. وسعدت لأن وطنى يضع قصايا التراث وعادات وتقاليد الشعوب فى مكان مرموق من اهتماماته. وسعدت لأن المهرجان أقيم بدار أوبرا دمنهور التى ازورها للمرة الاولى لأكتشف كم هى صرح ثقافى عظيم وراق وجاد فى مدينة اقليمية، وهو تحفة معمارية ذات تصميم داخلى مبهر. ولابد من الاشارة الى دور وزيرة الثقافة القوية د. ايناس عبد الدايم فى انشاء هذا الكيان فنيا وفى الحفاظ على القه وتميزه طوال سنوات رئاستها لمؤسسة الاوبرا، وتشجيعها لإقامة مهرجان الفلكلور منذ دورته الأولى ورعايته طوال تلك السنوات. واستمر الاهتمام الكبير مع رئيس الاوبرا الحالى الدمث الخلق د. مجدى صابر. سعدت بإعادة اكتشاف مدينة دمنهور العظيمة: واحدة من أهم مدن وطنى. وهى عاصمة محافظة البحيرة وثالث اقدم تجمع حضرى فى تاريخ العالم. وظلت شديدة التميز طوال عصور الفراعنة و امتلأت بالمعابد والقصور. اسم دمنهور فى حد ذاته مستمد من الاله حورس. وللمدينة تاريخ طويل من مقاومة المستعمر والدفاع عن تراب الوطن مثل ثورات أهل البلدة الدائمة ضد العثمانيين والمماليك. وكذلك المعارك التى فازوا فيها ضد نابليون بونابرت فى أثناء الحملة الفرنسية. وامتلاك دمنهور عددا من المعالم الاثرية المميزة مثل مسجد التوبة وهو ثانى مسجد فى افريقيا بعد مسجد عمرو بن العاص.. ومن أكبر مظاهر سعادتى أيضا خلال حضورى مهرجان دمنهور للفلكلور اكتشافى مدى اقبال جمهور المدينة على المهرجان- الذى امتلأت صالاته بالمتابعين من كل الأعمار- ومدى تفاعلهم مع الفنون بأنواعها، مما يذكرنا دائما بدورنا الدائم فى الذهاب للأقاليم للتفاعل الثقافى، وقدرة ذلك على المشاركة الفعالة فى تربية النشء، وفى تطوير مصر. وفى محاربة الارهاب بالفكر والموسيقى والمسرحية. وطبعا لا تكمل سعادة المرء ومتابع الفنون وناقدها إلا بمشاهدة العروض المختلفة والاندماج مع عبقريتها والتواصل مع بصمتها المميزة. وسمح لى البرنامج المكثف للمهرجان بمشاهدة العديد من عروض للفلكلور من أكثر من بلد. بدأتها بمطالعة فرقة أسوان للاحتياجات الخاصة فأسروا قلبى واسألوا دموعى. فهم مجموعة من الاطفال والمراهقين لكل منهم اعاقة مختلفة عن الآخر، لكن العرض جعلهم يندمجون فى الفن الى اقصى مدى، فيرقصون ويغنون بفرح ليس له مثيل و كأن الموسيقى مسحت كل اعاقة لديهم. مشهد انسانى بديع يذكرنا بأن المعاق الحقيقى هو الذى يرفض الفن ولا يفهم مغزى وجوده فى هذه الدنيا. ثم استمتعت بغرفة أيانجو للرقص من نيجيريا التى تستخدم الفنون الشعبية كأداة مجتمعية للتعليم والتنوير والاطلاع وتقدم فنا اصيلا له جذور ممتدة و عميقة، وهى شديدة التعبير عن المكون الثقافى النيجيرى، حيث تشارك الطبيعة والحيوانات فى حياة البشر هناك بقوة. وقدمت فرقة اسيوط للفنون الشعبية عرضا فى منتهى القوة حافظت فيه على تقاليد الرقص بالعصا الشهيرة و تراث الصعيد القوى، بالإضافة الى لمستها الابداعية الخاصة فى عمل رقصات فرعونية وتابلوه ثرى للتنورة. والفرقة حصلت لتوهها أخيرا على المركز الاول فى مهرجان فيلكو ترونوفو فى بلغاريا. وكان من أميز عروض المهرجان بلا منازع عرض فرقة جابى شيبا اللبنانية التى خلبت الالباب بقوتها وأصالتها وحفاظها على تراث رقص الدبكة اللبنانى الشهير.
وتميزت كذلك فرقة لاك هونج للفنون من فيتنام والتى تقدم تراث الـ 54 مجموعة اثنية وعرقية تعيش هناك، ورقصاتها مليئة بالطقوس والاشارات والعلامات الثرية. آسيا بشكل عام كان لها حضور قوى فى المهرجان بحضور سيريلانكا والصين واندونسيا ايضا. فرقة لياوننج للغناء والرقص الصينية قدمت عرضا ذا طاقة هائلة ومفعما بالحيوية اثبت ثراء وتنوع الثقافة الصينية عبر العصور. والأردن هى الاخرى أدلت بدلوها من خلال فرقة الرمثا وشابات السلط للفنون التى قدمت الحركات المعبرة عن تراث الفلاح الاردنى البسيط. ومن بلد السامبا جاءت فرقة مارشيا جاييا البرازيلية التى أظهرت تأثير الاختلاط العرقى لسكان البرازيل ومزج الموسيقى البرتغالية بالافريقية هناك. اثبت لى هذا المهرجان ايضا ان مصر تمتلك اكثر من 25 فرقة رسمية للفن الشعبى تمثل كل محافظة، عرض المهرجان منها عروضا لفرقة الشرقية للفنون و فرقة الوادى الجديد وفرقة حلايب وشلاتين وكلها تعبر عن ثراء المكون الثقافى المصرى و عظمة الفلكور لدينا. والحق ان وراء هذا الجهد الكبير شابا لامعا من وزارة الثقافة هو محمد ظريف مدير اوبرا دمنهور و مدير المهرجان و صاحب فكرة انشائه. وهو طاقة هائلة وذهن متقد يحارب منذ سنوات لاحياء فرق الفنون الشعبية بمصر. فله الف تحية. والتحية كذلك لمؤسسة دمنهور الثقافية الوليدة التى تدعم الاوبرا هناك.