الجمهورية
احمد العطار
الخط المستقيم .. الدراما .. مشروع قومي

يتوق الانسان منا إلي الماضي .. يسترجع الذكريات ويستلهم القوة والعزيمة من روائع الزمن الجميل .. فلا احد من جيلي او الاجيال السابقة او حتي اللاحقة لايحب أفلام الابيض والاسود .. وكثيرون منا مازالوا يعشقون افلام الكسار والريحاني واسماعيل ياسين .. اما الدراما فحدث ولا اروع .. تابلوهات وأنتيكات وتحف فنية غالية بلون وقيمة الذهب والياقوت والمرجان.. من منا لايتذكر ابداعات أسامة انور عكاشة مثل ارابيسك واوبرا عايدة وليالي الحلمية ومغامرات المعلمة فضة المعداوي .. من منا لايتوقف قسرا وحبا وغراما عند ماسبيرو زمان ليستمتع بروائع الطرب والموسيقي والدراما والسينما والكوميديا.. اعتدت وانا اشاهد التليفزيون علي اللهث وراء كنوز الماضي اغوص في تفاصيلها ودقائقها واسترجع واتذكر العادات والتقاليد المصرية الأصيلة وقد ذابت وتلاشت هذه الايام وباتت وكأنها تراث وسراب ومؤخرا وانا احرك روبوت البحث التليفزيوني توقفت فجأة عن دراما رائعة .. هوانم جاردن سيتي .. اَداع درامي مذهل للمؤلفة مني نور الدين والمخرج العبقري احمد صقر وانتاج التليفزيون المصري .. لن اتحدث عن نجوم او ادوار او حبكة درامية او تصوير او ديكور او اخراج .. لكن بهرتني البيئة والاسرة والاخلاق الرفيعة والذوق الراقيپ والادب الجم .. ما كل هذا التحضر في التعامل بين الناس .. ما كل هذا الحب والدفء داخل الاسرة .. ما كل هذا التقدير والاحترام المتبادل بين الاجيال .. المسلسل يروي فصلا من حياة الطبقة الارستقراطية في الأربعينيات من القرن الماضي ويدور بنا في فلك عدد من العائلات الكبري .. قصص رومانسية تعود بنا الي عصور قيس وليلي وروميو وجولييت وغيرها من مشاهير الهيام والغرام .. مشاعر وأحاسيس راقية .. لاكلمات خارجة .. ولا نظرات غريزية .. والفتاة دائما في طاعة ولي الامر حتي وان كانت الام بعد رحيل الاب .. صحيح ان الرواية لاتخلو من الشر والأشرار .. لكنه "پ شر رقيق لطيف قد يقترب من الطيبة والسذاجة " هكذا تصور الدراما حياة الأثرياء وتنقل الينا لقطات حية من داخل غرف النوم وجلسات الصالون وأوقات تناول الطعام علي المائدة الكبيرة التي تجمع العائلة دائما .. فكيف تنقل الدراما حياة الاغنياء اليوم .. صراع وكراهية وقتل وخيانة ودم ومخدراتپ.. اللغة منحطة والمفردات متدنية والعلاقات داخل الاسرة الواحدة ممزقة ومنهارة .. حياة الأغنياء انتقلت من جاردن سيتي والزمالكپ الي القصور الفاخرة والفلل الخيالية في القاهرة الجديدة والرحاب وزايد والمنصورية وغيرها .. غابت روح الحب والدفء بين الأشقاء .. وضاعت السعادة بين الازواج .. ولم يعد للاحترام مكان بين الاجيال المتعاقبة .. كل سلك طريقه وتلمس دربه واختار حياته .. مشاهد تقترب من حياة الغرب الجافة القاسية وللأسف دراما هذه الأيام تكرس وتدفع في هذا الاتجاه القاتل الذي يذهب بنا الي مصير سحيق حيث لا عودة ولا حياة .
ارجو الا يتسرع البعض ويتهمني بالمثالية الساذجة او الرومانسية الضائعة .. ولا اريد ان اسمع العبارة السخيفة إياها "الجمهور عايز كده" او "الدراما تنقل يع بكل تفاصيله" .. الناس لا تريد هذا الانحلال الاخلاقي وذلك التدني والتمزق الاسري .. وليس هذا هو كل الواقع .. ربما ينقلون جزءا من الواقع او جانبا محدودا منه .. لكن الواقع مليء بمشاهد الخير والحب والعطاء والايثار .. مازالت المشاعرپ والاحاسيس الطيبة حية بداخلنا لم تمت .. وواجب الدراما ان تعزز جوانب الخير الغالبة وليس جانب الشر المحدود .. اتمني ان يعود التليفزيون المصري سريعا ويسترد عرش الانتاج التليفزيوني الراقي والهادف والبناء .. لا تتركوا أجيالا كاملة لقمة سائغة تتلقفها وتنهش اخلاقها وتدهس وتدغدغ مشاعرها وحوش الارباح والاعلانات الكاسرة التي لاتعرف ضميرا ولا تلتزم بميثاق .. ومهما تكبدت موازنة الدولة من ملايين ومليارات في عذا الاتجاه فلن تساوي شيئا أمام استرداد وانقاذ أجيال ضائعة منپ هوس دراما العنف والخيانة والمخدرات . ولا اغالي اذا قلت ان الدراما تستحق اهتماما اكبر من الدولة ويجب اعتبارها مشروعا قوميا في المرحلة الحالية فليس امامنا وقت نضيعه .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف