جمال سلطان
عماد الدين أديب وبالون المصالحة من جديد
منذ أطلق عماد الدين أديب دعوته لإعادة النظر في الموقف من "المتعاطفين" مع جماعة الإخوان والصخب لم يتوقف ، كما أني لاحظت هجوما مبالغا فيه من قبل بعض إعلاميي النظام ضد عماد ، لكن بدون هجاء أو شتيمة ، وهي حالة نادرة ، وهي ملحوظة مهمة لتفسير خلفيات ما يحدث ، والمنطلق الأساس من تأمل ما قاله عماد يفترض أنه لا يملك شجاعة أن يخوض في حقل ألغام مثل هذا بدون إشارة من جهة ما تملك القرار ، أيا كانت هذه الجهة ، أمنية أو سياسية ، لكن الخلاصة أن عماد لن يتكلم هنا إلا وفق إشارة ، وهي إشارة لم يتبناها ولم يكمل حوارا حولها ، هي أشبه ببالون اختبار أطلقه ، وترك الجهات التي طلبت إطلاقه تراقب ردود الفعل ، كما أن الهجوم المضاد على ما طرحه عماد من قبل الإعلام الموالي كان يتصف "بالحكمة" والشاعرية في الرفض ، وهو أمر ربما فهم منه البعض أن "الباب موارب" .
لا يوجد أدنى شك في أن أجنحة في الدولة تفكر أو تريد المصالحة وتفكيك أجواء الاحتقان والانقسام في المجتمع ، بل إن هذا هو أحد أركان بيان 3 يوليو 2013 الشهير الذي ألقاه السيسي ، وهناك أفكار عدة طرحت طوال السنوات الماضية ، غير أن المؤكد أن هناك أجنحة أخرى لا تريد تلك المصالحة ، إما لتصور أنها ستكون خطرا على النظام نفسه ، وإما لحسابات مصالح ، لأن قطاعا لا يستهان به في دوائر سياسية وأمنية وإعلامية وقانونية ترتبت مصالحها ونفوذها خلال السنوات الماضية على الصراع المفتوح والعنيف والدموي مع الإخوان وأنصارهم ، وبالتالي فلنا أن نتصور أن هذا الجناح ليس من مصلحته إنجاز المصالحة ، لأنها ستعضف الحاجة لهم وبالتالي يتراجع نفوذهم ، كما أن بعض الأطراف الرسمية تصور فكرة المصالحة على اعتبار أنها خصم من هيبة الدولة ، وربما إظهار لها بأنها في حال ضعف ، وهو أمر غير صحيح قطعا ، لأن الدولة خرجت منتصرة في المواجهة مع الإخوان وأنصارهم ، وحسمت الصراع بصورة كبيرة وأجهضت انتفاضة الجماعة التي جرت في أعقاب إزاحة الدكتور محمد مرسي من الحكم .
غير أن هناك مشكلة على الطرف الآخر ، حيث تحول معسكر أنصار الإخوان أو من يسميهم عماد الدين أديب "المتعاطفين" إلى أجنحة وتيارات هو الآخر ، فهناك تيار اتجه إلى العنف المسلح ، وهذا واضح من خلاياهم مثل حسم وأخواتها ، وهناك جناح اتجه نحو العنف السياسي المفرط وهذا واضح في الخطاب السياسي والإعلامي الذي يتردد في إعلامهم الخارجي تحديدا ، وهناك جناح آخر لا تعرف له لونا ولا توجها ولا اختيارا ، يعوم فوق الأحداث والأفكار ولا يحسم لك أي رؤية ولا توجه ، على النحو الذي يبدو من أفكارإبراهيم منير ومحمود حسين ، فمع أي جناح من هؤلاء سيكون هناك حوار ، والمتعاطفون مع أي جناح منهم ستكون المصالحة ، هذا أمر ملتبس للغاية ومحير أيضا .
الأهم مما سبق كله ، أن فكرة المصالحة مع الجماعة كقوة سياسة منظمة هو أمر خطر على المصلحة الوطنية وعلى مستقبل الديمقراطية في مصر ، بغض النظر عن الحاكم الآن ، السيسي أو غيره ، فكرة عودة جماعة الإخوان بهياكلها التنظيمية وارتباطاتها الدولية لتعمل في مصر خارج إطار القانون والدستور وخارج إطار الدولة ومؤسساتها ، هي فرضية ينبغي أن تنتهي ، لم يعد هذا الزمان يستوعبها ، لا في مصر ولا في غيرها ، وقد آن الأوان لإعلان الجماعة عن حل نفسها أولا ، قبل أي حديث عن المصالحة ، أو على الأقل كمقدمة لا تنفصل عن أي اتفاق مصالحة أيا كانت بنوده ، والأمر لا يتوقف على الإخوان وحدهم بل على أي هيكل تنظيمي مماثل للجماعات الإسلامية ، ويبقى من حق اي مواطن كان ينتمي لهذه الجماعة أو تلك أن يمارس حقوقه السياسية أو غير السياسية وفق أي أطر قانونية أخرى متاحة ، وصحيح أن الأفق ضيق الآن والأجواء مختنقة ، ولكن ضيقه وتوتره في معظمه رد فعل بسبب الأجواء التي ساهمت فيها الجماعة طوال السنوات الست الماضية ، بل أزعم أن معظم الإرباك السياسي الذي ساد مصر طوال ثمانين عاما على الأقل كان بسبب نشاط ودور جماعة الإخوان الذي لا يخضع لأي قواعد ولا أي معايير وتنعدم معه الثقة تماما .
لا يوجد شيء الآن اسمه المصالحة مع الإخوان ، هذا يعني أننا نعود إلى ما قبل ثورة يناير ، نعود إلى لعبة السادات ومبارك معهم ، المصالحة هي مع المجتمع والحياة السياسية بشكل عام ، وحماية الحريات الفردية ، وتصحيح القوانين ، واحترام الدستور وتنفيذه كاملا ، وتفكيك أجواء الاحتقان ، ورفع القبضة الأمنية ، ووقف عمليات خنق الإعلام ومحاصرة المجتمع المدني ، ومنح الأحزاب السياسية مساحة كافية من الحركة والانتشار ، وتسهيل عملية تأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية ، ومنحها الحصانة الكافية لضمان عملها في خدمة المجتمع والدولة .
مستقبل الحياة السياسية في مصر ينبغي أن يطوي صفحة الجماعة والجماعات ، إذا كنا نفكر في مشروع تحديث مصر سياسيا بشكل صحيح .