لقد كان وسيظل البراء بن مالك رمزاً ونموذجاً للمؤمن الصادق مع الله ونفسه يتطلع دائماً للشهادة في سبيل الله تحت راية الإسلام الخفاقة دائماً ولعل المغامرة التي قام بها لاقتحام الحديقة التي تحصن بها مسيلمة الكذاب وأعوانه تعبر مدي عزيمة هذا المؤمن. وقد مرت الأيام سريعاً بعد هذه المغامرة في اليمامة ثم كان اشتراكه مع جيوش المسلمين إلي أرض الفرس وعندما عرف أهل هذا البلد بقدوم جيش إلي أراضيهم انطلقوا إلي الحصون العالية وفوقها بعض العمارات السكنية في محاولة لمنع وصول أفراد جيش المسلمين إليهم وفي نفس الوقت كانت برامج جيش الإسلام محاصرة تلك الحصون واغلاق المنافذ والطرق حتي لا تصل امدادات الغذاء والمياه إلي هؤلاء الذين يتحصنون في تلك الأماكن العالية.
لقد كان من نصيب البراء بن مالك وأخيه بحصار حصن من هذه الحصون وهذه المهمة تتطلب مراقبة طويلة وترقباً وخلال هذه المراقبة شاهد أخيه أنس قد أمسكت به بعض الأدوات الحديدية في محاولة لنقله إلي أماكن الحصون وقد نهض البراء فقام بتخليص أخاه وشاءت الأقدار أن يسقط مع أخيه علي الأرض بعد أداء هذه المهمة بنجاح لكن عندما نظر البراء إلي يديه فوجدهما قد انتفخت نتيجة امساكه بالأداة الحديدية حيث كان الفرس قد استطاعوا أن يجعلها ملتهبة مما أدي إلي اصابة البراء وقد شكلت هذه الاصابة عقبة أمام البراء حيث لا يستطيع حمل أي بيده حتي أنه لا يستطيع تناول الطعام والشراب بنفسه وقد ظل البراء يعالج هذه الاصابة حتي شفي منها.
في نفس الوقت تطورت الأحداث وذلك عندما تجمع الفرس مرة أخري في بلدة "تستر" بعد هزيمتهم في معركة القادسية وهنا أصدر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بتسيير الجيش إلي هناك وأمر سعد بن أبي وقاص أن يبعث جيشاً كثيفاً إلي الأهواز بقيادة النعمان بن مقرن وفي نفس الوقت طلب من أبي موسي الأشعري أن يرسل قوات كثيرة العدد وأجعل أميراً عليهم سهيل بن عدي وأبعث البراء بن مالك وتمت الاستجابة لعمر رضي الله عنه وقد زحفت القوات إلي "تستر" وقد التحم الجيشان وأشتد القتال وهنا قال جيش المسلمين للبراء: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لو أقسمت علي الله لابرك فأقسم علي ربك" فاستجاب قائلاً: أقسمت عليك يارب لما منحتنا اكتافهم والحقني بنبي الله صلي الله عليه وسلم فمنحوا أكتافهم ودخل البراء في المعركة غير هياب ولا خائف ولعل الله قد استجاب دعاءه فاستشهد في المعارك ومضي إلي وجه ربه راضياً مرضياً. استشهد البراء بعد هزيمة الفرس وتم حصار "الهرمزان" زعيم الفرس واقتادوه إلي أمير المؤمنين. وبعد محاورات أسلم فأنزله عمر رضي الله إلي المدينة المنورة.. تلك هي بعض الجوانب المشرقة من حياة البراء بن مالك الذي نال الشهادة راضياً مفضلاً جوار ربه مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.. انه نموذج وقدوة لكل الأجيال.