الأهرام
سناء صليحة
الحداية «مش» بتحدف كتاكيت !!
موقفان لا ثالث لهما اعتدتهما عندما أكرر نفس العبارة في مواقف وسياقات مختلفة: «آسفة لا استخدم الفيسبوك!!»، عندها أواجه برد فعل أشبه بالصدمة أو بنظرة شفقة علي سيدة تخلفت عن التطور وأصرت أن تعيش في زمن فحت البحر!!.

ورغم أن تطور الحياة والتطبيقات التي تقدمها هواتف وحواسب محمولة باتت اشبه بامتداد طبيعي لأيدينا ، فرض علي تعلم مهارات لم تكن متاحة لأبناء جيلي في طوري الطفولة والشباب والاعتراف بأهميتها في الحياة بشكل عام، فإن ثمة هاجسا ظل يطاردنى سنوات..فبغض النظر عن الأسى لافتقاد خصوصية ودفء التواصل الإنساني بعد أن عز التواصل المباشر بفضل معايدات وكلمات مواساة سابقة التجهيز نرسلها بضغطة علي أزرار، تلاحقني علامة استفهام كلما ارسلت رسالة عبر بريدي الالكتروني المجاني، يوقظها من سبات عميق- كثيرا ما ارغمها عليه!!- مثل مصري قاله اجدادنا «هي الحداية بتحدف كتاكيت!!».

تأكدت أن الحداية البخيلة بالفعل لا تلقي لنا بالكتاكيت عندما تم الكشف أخيرا عن فضيحة جمع بيانات شخصية لنحو 50 مليون مستخدم للفيسبوك دون اذنهم منذ عام 2014 وتسليم هذه البيانات لشركة «كمبردج أناليتيكا» التي استخدمتها بدورها لصالح حملة دونالد ترامب عام 2016.

لم يشغلني الامر كثيرا في البداية ولا الجدل حول احتمالات استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق مصالح سياسية وانتهاك خصوصية مستخدميها، باعتباره شأنا سياسيا يمس الديمقراطية والشفافية التي تتغن بها دول العالم الاول. لكن تداعيات أزمة الفيسبوك والتحليلات التي ظهرت عقبها ووشت بأن ما تم استخدامه فيما وراء الاطلنطي ربما يتم أيضا بصورة أو بآخري لدراسة مجتمعاتنا وربما التخطيط لمستقبلها أو علي الاقل اختيار اشكال التعاون معها مستقبليا، دفعتني للتجربة العملية التي كشفت أنني واقراني غير الناشطين علي الفيسبوك وأي مواطن عادي يدب في شوارع المحروسة خطواتنا محسوبة بالثانية لمجرد أننا نحمل حواسب آلية أو هواتف محمولة ولو كانت «نص عمر»!! فبعد أن قمت بالضغط علي مجموعة من الازرار علي هاتفي المحمول طبقا لخطوات حددها احد الباحثين في واحدة من المقالات التي انتشرت مؤخرا في الصحافة البريطانية قفزت أمام عيني خرائط وقوائم تحدد بدقة كل تحركاتي في المحروسة ومطالعاتي ورسائلي لمدة عام كامل وهي المدة التي حددتها مسبقا، ويعلم الله ماذا كنت سأكتشف لو أنني تابعت عملية البحث في تاريخ تعاملاتي المحدودة علي الشبكة العنكبوتية وتحركاتي دون موكب ولا هيلمان في شوارع وضواحي القاهرة!! فالفيسبوك يتعقب المستخدم عن طريق خاصية تحديد المواقع الموجودة في الهواتف أو عن طريق تحديد موقع الشبكة التي يتصل من خلالها المستخدم بالإنترنت وبالتالي يرصد كل تحركات المستخدمين أينما كانوا ويسجل خرائط مفصلة لهذه التنقلات بالإضافة إلى معلومات وبيانات المستخدم!! بعد التجربة التي قمت بها بنفسي وكررتها عدة مرات مع آخرين ادركت حالة الجزع التي اصابت مستخدمي الشبكة العنكبوتية في بلاد العام سام وغيرها من بقاع الارض للدرجة التي دفعت البعض لإطلاق هشتاك لإلغاء الحسابات الشخصية علي المواقع المختلفة ووصف ريتشارد ستالمان الباحث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مستخدمي تطبيقات شبكة التواصل بالحماقة لتسجيلهم معلوماتهم الشخصية، ورفض الباحث المستقل في شئون الأمن والخصوصية الشخصية لوكاش أوليجنيك إلقاء اللوم على المستخدمين الذين لا يعرفون كم المعلومات المستخرجة من البيانات المجمعة ولا كيفية استخدامها، الامر الذي سلط الضوء مجددا علي عبارة جوليان أسانج صاحب موقع ويكيليكس عندما وصف الفيسبوك وإقرانه «بأكبر آلة تجسس اخترعت على مدى التاريخ». ولان الزمن لا يعود للوراء ومن الصعب التخلي عن منجز تكنولوجي قائم بات جزءا من حياة ابناء عصر الإنترنت، أظن أن علينا جميعا حماية لخصوصيتنا ولأوطاننا التأني ومراعاة قدر المعلومات والتعليقات والأخبار المتداولة والتخلي عن مبدأ «ابو بلاش كتر منه»..

«فالحداية لم ولن تمطرنا بالكتاكيت»!!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف