عندما تحدثت في مقال الأمس تحت عنوان «بدون كلام« لم يرد بذهني علي الإطلاق أن أحدا يمكن أن يفسر ذلك بأنه دعوة لقصف الأقلام أو إخراس الألسنة أو تجفيف موائد الحوار في المجتمع ،فالكلام واضح والقضية ظاهرة والهدف محدد في أننا نحتاج إلي عمل كثير وكلام قليل بعد أن فقد الكلام معناه في أغلب منابر الخطاب العام!
نحن بحاجة إلي حقول جديدة نستصلحها ونستزرعها بأكثر من حاجاتنا لإنشاء أحزاب جديدة مثلما نحن بحاجة إلي مزيد من المصانع بأكثر من احتياجنا لإنشاء المزيد من القنوات الفضائية ،لأن عملية الانتقال من التخلف والاحتياج إلي التقدم والاكتفاء مرتبطة بانطلاق عملية التنمية وزيادة الناتج القومي وتوفير ملايين فرص العمل في القطاعات الإنتاجية بمثل ما فعلت كل الدول التي سبقتنا لبناء اقتصاديات قادرة علي النهوض الذاتي واقتحام ساحات الإنتاج الوفير الذي يلبي احتياجات الداخل ويقتحم أسواق التصدير إلي الخارج.
وإذا كان هناك من يعتقد بأهمية الكلام باعتباره محفزا للهمم ــ وهذا صحيح ــ فإن ساحات العمل والإنتاج تجعل الشعب كله متأهبا ومتحفزا لتحمل المسئولية كشريك في البناء وليس كمجرد مستمع لمحترفي النصح والإفتاء.
إن المزيد من العمل والقليل من الكلام هو نقطة البداية الضرورية للخروج من هيستيريا الشعارات والهتافات والإضرابات والاعتصامات التي خنقت البلاد والعباد في السنوات العجاف ،وتلك إحدي أهم ضرورات المراحل الانتقالية للعبور بأي شعب من ضوائق الأوضاع الاستثنائية إلي آفاق الظروف الطبيعية.
ولن ينقشع الضباب من سماء المشهد المصري إلا عندما نمتلك شجاعة الجرأة علي تقليل حجم الكلام لصالح مساحات العمل والأمل التي توفر لنا القدرة علي سرعة الخروج من أقبية الفراغ التي كانت هي الملجأ والملاذ لكثير ممن أرادوا الهروب من ضوضاء الفوضي وصخب المزايدات!
خير الكلام:
كلما ازدادت حركة اللسان قلت فاعلية العقل!