الأهرام
مرسى عطا الله
مرة أخري.. «بدون كلام»!
عندما‭ ‬تحدثت‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬الأمس‭ ‬تحت‭ ‬عنوان «‬بدون‭ ‬كلام‭« ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬بذهني‭ ‬علي‭ ‬الإطلاق‭ ‬أن‭ ‬أحدا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفسر‭ ‬ذلك‭ ‬بأنه‭ ‬دعوة‭ ‬لقصف‭ ‬الأقلام‭ ‬أو‭ ‬إخراس‭ ‬الألسنة‭ ‬أو‭ ‬تجفيف‭ ‬موائد‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ،‬فالكلام‭ ‬واضح‭ ‬والقضية‭ ‬ظاهرة‭ ‬والهدف‭ ‬محدد‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلي‭ ‬عمل‭ ‬كثير‭ ‬وكلام‭ ‬قليل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬الكلام‭ ‬معناه‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬منابر‭ ‬الخطاب‭ ‬العام‭!‬

‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلي‭ ‬حقول‭ ‬جديدة‭ ‬نستصلحها‭ ‬ونستزرعها‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬حاجاتنا‭ ‬لإنشاء‭ ‬أحزاب‭ ‬جديدة‭ ‬مثلما‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلي‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المصانع‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬احتياجنا‭ ‬لإنشاء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ،‬لأن‭ ‬عملية‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬والاحتياج‭ ‬إلي‭ ‬التقدم‭ ‬والاكتفاء‭ ‬مرتبطة‭ ‬بانطلاق‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬وزيادة‭ ‬الناتج‭ ‬القومي‭ ‬وتوفير‭ ‬ملايين‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬بمثل‭ ‬ما‭ ‬فعلت‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬سبقتنا‭ ‬لبناء‭ ‬اقتصاديات‭ ‬قادرة‭ ‬علي‭ ‬النهوض‭ ‬الذاتي‭ ‬واقتحام‭ ‬ساحات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الوفير‭ ‬الذي‭ ‬يلبي‭ ‬احتياجات‭ ‬الداخل‭ ‬ويقتحم‭ ‬أسواق‭ ‬التصدير‭ ‬إلي‭ ‬الخارج‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬بأهمية‭ ‬الكلام‭ ‬باعتباره‭ ‬محفزا‭ ‬للهمم‭ ــ ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ ــ ‬فإن‭ ‬ساحات‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج‭ ‬تجعل‭ ‬الشعب‭ ‬كله‭ ‬متأهبا‭ ‬ومتحفزا‭ ‬لتحمل‭ ‬المسئولية‭ ‬كشريك‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬وليس‭ ‬كمجرد‭ ‬مستمع‭ ‬لمحترفي‭ ‬النصح‭ ‬والإفتاء‭.‬

إن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬هو‭ ‬نقطة‭ ‬البداية‭ ‬الضرورية‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هيستيريا‭ ‬الشعارات‭ ‬والهتافات‭ ‬والإضرابات‭ ‬والاعتصامات‭ ‬التي‭ ‬خنقت‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬العجاف‭ ،‬وتلك‭ ‬إحدي‭ ‬أهم‭ ‬ضرورات‭ ‬المراحل‭ ‬الانتقالية‭ ‬للعبور‭ ‬بأي‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬ضوائق‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاستثنائية‭ ‬إلي‭ ‬آفاق‭ ‬الظروف‭ ‬الطبيعية‭.‬

ولن‭ ‬ينقشع‭ ‬الضباب‭ ‬من‭ ‬سماء‭ ‬المشهد‭ ‬المصري‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬نمتلك‭ ‬شجاعة‭ ‬الجرأة‭ ‬علي‭ ‬تقليل‭ ‬حجم‭ ‬الكلام‭ ‬لصالح‭ ‬مساحات‭ ‬العمل‭ ‬والأمل‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬لنا‭ ‬القدرة‭ ‬علي‭ ‬سرعة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬أقبية‭ ‬الفراغ‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الملجأ‭ ‬والملاذ‭ ‬لكثير‭ ‬ممن‭ ‬أرادوا‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬ضوضاء‭ ‬الفوضي‭ ‬وصخب‭ ‬المزايدات‭!‬

خير الكلام:

كلما ازدادت حركة اللسان قلت فاعلية العقل!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف