الدستور
ماجد حبته
صيني وإخواني.. في فخ أمريكاني!
خبر متداول في صحف ومواقع إلكترونية، تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، يقول إن «إدارة الهجرة في ولاية نيوجيرسي الأمريكية» ألقت القبض على الإرهابي الإخواني الهارب، أحمد عبدالباسط، منسق ما توصف بـ«حركة جامعات مستقلة».

لو استوقفك وصف المذكور بأنه إرهابي إخواني هارب، أشير إلى أنه صدر ضده حكم غيابي بالإعدام في القضية ١٧٤ لسنة ٢٠١٥ عسكرية المعروفة إعلاميًا بـ«خلية العمليات المتقدمة» التي قضت فيها المحكمة العسكرية بغرب القاهرة، بإعدام ٨ متهمين، وبالسجن المؤبد لـ١٢ متهمًا، و١٥ عامًا لـ٦ آخرين، اتهمتهم النيابة بالاشتراك في اغتيال رجال الجيش والشرطة والتخطيط لاغتيال عدد من الشخصيات العسكرية والسياسية، واستهداف مقرات عسكرية وشرطية وحيازة أسلحة وذخائر، دون ترخيص، وحيازة وصنع عبوات تعتبر في حكم المفرقعات وأجهزة تستخدم في تصنيعها، بغرض استعمالها في عمليات إرهابية.

أحمد عبدالباسط محمد، كان معيدًا بكلية العلوم، جامعة القاهرة، وفي مايو ٢٠١٥ قرر مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين في الجامعة، فصله نهائيًّا من الجامعة، لمشاركته في إثارة العنف داخل الحرم الجامعي، طبقًا لما جاء في نص قرار المجلس. ونفت الجامعة في بيان صدر وقتها ما أشيع «عن محاسبة المعيد المذكور على أعمال ارتكبها خارج الجامعة كالمشاركة في اعتصام رابعة، غير صحيح». وشدد البيان على أن «مجلس التأديب في الجامعة، لم يحاسبه إلا على ممارسات العنف داخل الحرم الجامعي».

بين فصله من الجامعة وصدور الحكم الغيابي بإعدامه، تمكن المذكور من الهرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية بزعم حصوله على منحة لاستكمال دراسته هناك. والإخوان وتابعوهم، كما لعلّك تعرف أو لاحظت، طريقهم أخضر وسالك، إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وغيرها. وحال صحة خبر إلقاء القبض عليه، يكون غالبًا، قد سقط في أحد الفخاخ (جمع فخ) التي اعتادت الأجهزة الأمنية والمخابراتية الأمريكية نصبها داخليًا وخارجيًا، والتي يكون الهدف الأساسي والرئيسي منها، هو تجنيد أو اصطياد الطلبة، الباحثين، الأكاديميين، أو العلماء. وقد يكون الإرهابي الإخواني الهارب قد التحق بإحدى الجامعات «الوهمية» التابعة لوزارة الأمن الوطني الأمريكية، وأنها رفعت عنه الحماية حين اكتشفت أنه لا يصلح للاستخدام أو للاستعمال!.

قد تتفق معي في ذلك، لو رجعت إلى كتاب «مدارس التجسس: كيف تمكنت الـCIA، والـFBI والمخابرات الأجنبية من استغلال الجامعات الأمريكية سرًا»، الصادر في ١٠ أكتوبر الماضي، والذي كشف فيه دانيال جولدن، Daniel Golden، الحاصل على جائزة بوليتزر، كيف تحولت الجامعات ومراكز الأبحاث والمعاهد العلمية الأمريكية إلى خط أمامي للتجسس المحلي والدولي، وكيف صارت معامل تفريخ رئيسية للجواسيس المحليين والأجانب، عبر قيام المخابرات المركزية الأمريكية، «CIA»، ومكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية، «FBI»، بتجنيد طلبة وباحثين وأعضاء هيئات تدريس.

كنت قد توقفت عند هذا الكتاب، في مقال سابق، وقلت إن المجال مفتوح لكل المقاربات والقياسات والاستنتاجات والاستخلاصات التي قد تخطر على بالك، أو على بال أي واحد صاحبك. أما فيما يتعلق بوجود جامعات تابعة لوزارة الأمن الوطني الأمريكية، فإليك تلك الحكاية الطريفة التي شهدت محكمة الهجرة الفيدرالية في سياتل (ولاية واشنطن)، منذ أيام قليلة، أحد فصولها، حين طلب محامون يمثلون الوزارة من المحكمة إبعاد طالب صيني يدرس بجامعة نورث نيوجيرسي، لأنه لم يلتزم بقوانين تأشيرة الدخول الدراسية، مع أن الطالب نفسه قد التحق بالقوات المسلحة الأمريكية!.

طبقًا لما جاء في تقرير لـ«أليكس هورتون» نشرته جريدة «واشنطن بوست»، في ٥ أبريل الجاري، فإن الطالب الصيني شيلونج زو، Xilong Zhu، ٢٧ سنة، دخل إلى الولايات المتحدة سنة ٢٠٠٩، وأنهى دراسته في كلية بيلويت بولاية ويسكونسن، سنة ٢٠١٣. ولأنه أراد أن يصبح مواطنًا أمريكيًا، قرر الالتحاق بالقوات المسلحة الأمريكية، فتم وضعه على قوائم الانتظار، وأراد أن يحتفظ بالإقامة، فنصحته شركة استشارات تقدم خدماتها للمهاجرين بالالتحاق بجامعة «نورثيرن نيو جيرسي»، Northern New Jersey، التي اتضح أنها «جامعة وهمية» أو مزيفة، Fake University، أسستها وزارة الأمن الوطني (Department of Homeland Security)، لا يعمل بها غير موظفين في الوزارة، وهم أيضًا من يقومون بالتدريس فيها، كما ذكر «هورتون» في تقريره.

تأسيس تلك الجامعة التي «تبدو مثل الجامعات الحقيقية»، كما أوضح التقرير، كان جزءًا من خطة، لمراقبة الأجانب ولمواجهة النشاطات الإرهابية والمتطرفة. وأن وزارة الأمن طلبت من وزارة الدفاع (البنتاجون)، سنة ٢٠٠٦ إعفاء «زو» من الخدمة العسكرية لتتمكن «إدارة الهجرة» من إلقاء القبض عليه وإبعاده، لأنه لم يلتزم بشروط تأشيرة الدخول الدراسية في الجامعة. وبالفعل قامت «البنتاجون» بإنهاء خدمة «زو»، في ١٠ نوفمبر ٢٠١٦. وبعدها مباشرة تم إلقاء القبض عليه، لمدة ثلاثة أسابيع، ثم أقامت محاميته مارجريت ستوك، دعوى قضائية ضد وزارة الأمن، واتهمتها بأنها نصبت فخًا لاصطياد وكيلها. مؤكدةً «لم يكن أحد منا يعرف أن الجامعة مزيفة». كما قال «زو» إنه سيكون كمن قرر الانتحار لو التحق بجامعة تستهدف مراقبته!.

حالة الطالب الصيني قد تختلف، كثيرًا أو قليلًا، عن حالة الإرهابي الإخواني. لكن تظل كل الاحتمالات مفتوحة بالنسبة للحالتين. والأرجح هو أن الأجهزة الأمنية أو المخابراتية الأمريكية قررت التخلّي عن الاثنين بعد أن اكتشفت أنهما لا يصلحان للاستعمال، أو يلعبان لحساب أطراف أخرى: مخابرات دول معادية، أو تنظيمات إرهابية. وأكرر أن المجال مفتوح لكل المقاربات، القياسات، والاستنتاجات التي قد تخطر على بالك، أو على بال أي واحد صاحبك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف