فى سورة آل عمران ذكر الله عز وجل للنبى محمد بعض من سيرة سيدنا عيسى، وأعلمه أنه عز وجل أخبر عيسى بأنه متوفيه ورافعه، وذلك بقوله :" يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إليّ ــ 55»، المفسرون الأوائل اختلفوا حول دلالة كلمتى متوفيك ورافعك، وجاءت القراءات كالتالي:
القراءة الأولى: ويمثلها الربيع بن أنس( ت 140هـ)، حيث قرأ متوفيك: منيمك، بمعنى أن الله عز وجل أنامه ثم رفعه وهو فى حالة النوم، على اعتبار أن النوم مثل الموت أو أخو الموت، مستشهدا بقوله تعالى:" هو الذى يتوفكم بالليل ــــ الأنعام 60»، وقوله تعالى:" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ـــ الزمر 42»، وقد وافق هذا الرأي بعض المفسرين فيما بعد، من المتصوفة ابن عجيبة (ت 1224 هـ) فى كتابه البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، ومن المذهب السنى فى العصر الحديث المرحوم الشنقيطى(ت 1393هـ) فى تفسيره» أضواء البيان في تفسير القرآن»، وأيضا الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمة الله عليه(ت 1418 هـ) .
القراءة الثانية: قدمها عبدالله بن عباس(ت 68 هـ)، ومحمد بن إسحاق(ت 151هـ)، ووهب بن منبه اليمانى(ت 114هـ)، ورأوا فيها كلمة متوفيك بمعنى: مميتك، وهب رأى انه: توفى ثلاث ساعات ثم رفعه، وابن إسحاق قال إنه: توفي سبع ساعات، ثم أحياه الله ورفعه، وقد وافق فيما بعد على هذه القراءة بعض المفسرين فى المذهب الأباضى، ومنهم: الهواري (ت القرن 3 هـ) فى كتابه "تفسير كتاب الله العزيز»، واطفيش (ت 1332 هـ) فى» تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد».
القراءة الثالثة: قدمها كعب الأحبار(ت33هـ)، والحسن البصرى (ت 110 هـ)، وعبد الملك بن جريج(ت150هـ)،: متوفيك من الأرض، بمعنى تفيه إياه، مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته واستوفيته، وأخذ بهذا الرأى عند الشيعة الاثنى عشرية الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) فى «الصافي في تفسير كلام الله الوافي»، وعند الشيعة الزيدية الأعقم (ت القرن 9 هـ) فى كتابه» تفسير الأعقم»، كما وافقهم من أهل السنة المعاصرين المرحوم الشيخ سيد طنطاوى(ت 1431 هـ) فى كتابه»الوسيط في تفسير القرآن الكريم».
القراءة الرابعة: قدمها مطر الوراق(ت129هـ)، وابن إسحاق(ت 151هـ)، وعبدالله بن وهب(ت 197هـ)، وقد قرأوا متوفيك بمعنى: قابضك من الأرض، ورافعك إلى السماء من غير موت، وقد أخذ بهذا الرأي عمدة المفسرين الطبرى (ت 310 هـ) فى كتابه» جامع البيان في تفسير القرآن»، والقرطبى(ت 671 هـ) فى"الجامع لأحكام القرآن»، ونجده فى"تفسير الجلالين» لجلال الدين المحلي(ت864هـ)، وجلال الدين السيوطي (ت911هـ)، ومن أهل السنة الفيروز آبادى(ت 817هـ) فى كتابه"تفسير القرآن»، والإمام الطبراني (ت 360 هـ) فى»التفسير الكبير»، ومن المتصوفة القشيري (ت 465 هـ) فى» لطائف الإشارات»، ومن السلفيين أبو بكر الجزائري (مـ1921- ) فى"أيسر التفاسير»، ومن الشيعة الإثنى عشرية الطبرسي (ت 548 هـ) فى» مجمع البيان في تفسير القرآن»، وعلي بن إبراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) فى» تفسير القرآن»، والطوسي (ت 460 هـ) فى» التبيان الجامع لعلوم القرآن»، رأى أن الله رفعه حيا بدون موت ولا نوم».