فيتو
سيد على
سنة كبيسة على هيئات الإعلام الثلاث
ليس من العدل ولا الإنصاف أن ينتقد الإعلاميون كل ما حولهم ثم يغضون الطرف عن جماعتهم، وليس من المنطقي أن يرفعوا رايات حرية التعبير والحق في الاختلاف وتعدد وجهات النظر ثم يضيقون بالأمر حين يتعلق الأمر بهم، والأمر كذلك فدعنا على سبيل التجربة أن نمارس حق النقد الذاتي ونرى ردود الأفعال في اختبار للمنطق.

فقد مر عام تقريبًا على مولد الهيئات الإعلامية الثلاث، المتمثّلة في المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وكان الظن أنها ستعمل على الارتقاء بالإعلام ومنع الاحتكار وتنظيم منح الرخص وإدارة إعلام الدولة فيما يتعلق بالصحف القومية وماسبيرو، وكان أداء اليمين الدستورية لأعضاء تلك الهيئات تنفيذًا للشق الأول من القانون الموحد لتنظيم الاعلام، بينما الشق الآخر هو الذي يضع النصوص المنظمة للعمل الإعلامي...

ورغم مرور أربع سنوات على صدور الدستور لم يصدر حتى الآن هذا القانون، ولا يزال يتلكأ في أروقة البرلمان، وبالتالي ليس لتلك الهيئات مرجعية، الأمر الذي خلق غموضا في الاختصاصات وأرجأ أي إصلاحات، وذهبت وعود كرم جبر وحسين زين بالتطوير أدراج الرياح، بل راحت كل جهة تتعامل على أنها الوريث الشرعي لوزارة الإعلام، لدرجة أن سارعت هيئة الإعلام باحتلال مقر الوزارة القديم بمنطق إنها صاحبة المبنى، وبالتالي فإن الجار أولى بالشفعة..

ولولا قوة مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى، لحقق حسين زين وجماعته في الهيئة ما أرادوا، ولا تزال حتى الآن العلاقة بين الهيئات الثلاث غير واضحة، وبدلا من أن تعين تلك الهيئات الدولة في تنظيم الإعلام أصبحت عبئًا، خاصة أن اللائحة التنفيذية صدرت منذ عدة أشهر وبعد تشكيل الهيئات الثلاث بسبعة أشهر، ولم تحسم اللائحة التنفيذية العلاقة بينهم، وبدا من الممارسة أن تلك الهيئات جهات عقابية أكثر منها مهنية، ولم يتم ضبط واحدة منها وهي تدافع عن المهنة وتطويرها..

وبدا أن بعضها هي الذراع التنفيذية لبعض الجهات، حيث جاءت مثلا التعيينات في الصحف القومية مخيبة للآمال، وبدلا من الانحياز للكفاءات والمهنية فوجئ الوسط الصحفي بإعادة أهل الثقة، ولكن هذه المرة بأيدي أبناء المهنة، وعندما سعى البعض إلى تطوير ماسبيرو راحوا يختارون الفرز الثالث، وظنوا أن حملة الإعلانات المبالغ فيها وتقليد بعض القنوات يمكنها أن تلفت انتباه وجذب المشاهدين بدون أن يفكر واحد من هؤلاء العباقرة ما الذي يدفع المشاهد لترك الأصل والذهاب للتقليد؟!

وخلال عام فقط ازداد تدهور حال المؤسسات، وراحت تعتمد على خزينة الدولة في كل شئونها، ولا يختلف الوضع في المؤسسات الصحفية عن وضع قنوات وإذاعات ماسبيرو، وربما يكون عذر بعض القيادات مقبولا في أنهم تسلموها في حالة خراب مؤسسي، لدرجة أن أحد رؤساء مجلس الإدارة رفض الاستلام إلا بعد تدخل من الرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات.

وربما يكون عدم التوازن في تشكيل تلك الهيئات سببًا فيما يحدث، حيث لا يوجد ممثل واحد للمعارضة، ولا تزال نقابة الإعلاميين غير ممثلة بالمخالفة للقانون لأنها لم تتشكل بعد، إضافة إلى تضارب المصالح؛ لأن معظم أعضاء الهيئات الثلاث يعملون كرؤساء تحرير أو مقدمي برامج أو في بقية المنظومة الإعلامية، مما يصنع منهم خصمًا وحكمًا في نفس الوقت.

وهناك عشرات الشكاوى من الأداء الإداري والمالي في معظم المؤسسات، وذهبت قاعدة إعادة التقييم وتغيير الفاشلين أيضًا أدراج الرياح، ورغم الحالة المادية الحرجة لتلك المؤسسات لا يزال الكبار فيها يركبون المرسيدس ويحولون الجنيهات إلى دولارات لزوم سفرياتهم المتعددة بدون أي فائدة مهنية..

ويومًا بعد الآخر تتراكم المشكلات المالية والديون وتتجمد عمليات التطوير وإعادة الهيكلة وسط صمت غير مبرر من هيئتي الصحافة والإعلام، لكي يقتصر دورهما على توقيع العقوبات أو إصدار البيانات الموسمية والظهور المكثف في اللقاءات الرسمية سواء في الداخل أو الخارج، وطالما أنه لا أحد يحاسب تلك الهيئات فقد حان الوقت لإعادة منصب وزير الإعلام، خاصة أنه لا يوجد نص في الدستور يمنع وجود وزارة أو وزير للإعلام، وذلك لضبط الأمور المختلة بعد توزيع دماء الإعلام على ثلاث قبائل لعام كامل كان كبيسًا على منظومة الإعلام بالكامل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف