أسامة سرايا
جائزة دبى وفرسان الأهرام الثلاثة
تربى جيلنا الذى دخل مهنة الصحافة فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى فى الأهرام على أيدى أكبر ثلاثة فرسان متنافسين ومتحابين. ثلاثة حققوا الأرقام القياسية فى مختلف مناحى الحياة، وفى معترك الصحافة، هم الأساتذة: الراحل الكريم إبراهيم نافع، والأستاذان: مكرم محمد أحمد وصلاح منتصر، أطال الله عمريهما، وأمدهما بالعطاء والصحة.
كانوا شبابا أو فى بدايات الشباب عندما دخلنا المهنة، وكنا ننظر إليهم، وإلى ما يحققون يوميا من نجاحات وانفرادات مهنية فى العمل، ونطمح فى أن ينظروا إلينا بعين التشجيع أو بعين الرضا. وكانوا يتنافسون بقوة معاً، ولكنهم كانوا يحترمون بعضهم بعضا، ويعرف كل منهم قيمة الآخر، وأن المنافسة لا تعنى أن تغمض عينيك عن مزايا وخصال منافسك. لقد واصلوا عملهم بحب وتفان واقتدار على مدى نصف قرن، حتى وصلوا إلى قمة المهنة، وقمة مؤسساتهم وصحفهم ولكن الأهم المصداقية لدى قارئهم. ولذلك شعرت بالفرح شخصيا عندما جاءتنا الأنباء من دولة الإمارات العربية المتحدة التى أصبحت منارة العرب، ومن مدينة دبى التى أصبحت بهجة العرب والنموذج الذى أصبحنا نقيس عليه الرقى والتقدم ومن نادى دبى للصحافة، بأنهم كرموا أستاذنا الراحل إبراهيم نافع، تكريما خاصا من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، ومؤسس نهضتها الحديثة، ونائب رئيس دولة الإمارات العربية، كما حصل أستاذنا صلاح منتصر على جائزة أفضل عمود صحفى لعام 2017 فى لغتنا العربية الجميلة، وهو الكاتب السهل الممتنع الذى عرف كيف يصل إلى قلوب وعقول كل المصريين، وقراء العربية بأسلوب متطور ويجارى كل العصور بل والأجيال.
أثلج هذا التكريم صدورنا وعقولنا، ووجدتنى أقطع تفكيري، وأغير موضوعي، لكى أكتب عن أساتذتي، شاعر بأن تكريمهم هو تكريم لى ولبلدى مصر. ولكن أحيى أيضا الجائزة وأصحابها، وأشيد باختياراتهم، وقد سبق ان حصل عليها استاذنا مكرم محمد أحمد عام 2007 كشخصية العام الصحفية. وكان لى شرف المشاركة فى التصويت فيها، كعضو فى مجلس إدارة هذه الجائزة منذ عام 2005 ولدورتين، كما كان لى شرف المشاركة فى اختيار الأستاذ الراحل الكريم أحمد بهجت، كأفضل عمود صحفى «صندوق الدنيا» والذى أبدع فيه فكراً وأدباً وجمالاً ومعنى فى صندوقه الذى اتسع لكل الدنيا، حياة ودنيا وقيما ومعاني. وأشهد من خلال مشاركتى لسنوات فى هذه الجائزة، أنها اكتسبت قيمتها من نزاهتها وشفافية أعمالها ودقتها فى الاختيار، وحساباتها الدقيقة التى تراعى المهنية، بكل معانيها وشموليتها، وكذلك استقلالية مجلس إدارتها، وتنوع خبرته وما يملكه من معرفة متراكمة بمجريات المهنة وتطورات الحياة العامة والسياسية فى المنطقة العربية. ولذلك أصبحت جائزة دبى بمثابة جائزة الصحافة العربية بحق.. شجعت الشيوخ كما احتضت الشباب وإبداعاتهم المهنية فى مختلف فروع العمل الصحفى وأشكاله المختلفة. وسدت نقصاً فى مجال حيوى وخطير فى حياة البلاد والشعوب، لأنها أدركت بوعى أن مهنة الصحافة لها أدوار خطيرة وعميقة فى حياة الناس والمجتمعات، وأن الأفكار التى تنشر فى الصحف العربية، كلما كانت متقنة ومتكاملة وميدانية وصادقة سيكون لها تأثير فى حياة ومستقبل وتطور مجتمعاتنا، ولذلك نجحت جائزة دبى فى اكتساب احترام الصحفيين والمهنيين فى كل البلاد العربية وجعلتهم يحرصون على إرسال إبداعاتهم وإنتاجهم للمشاركة فيها.
وقد كان لنتائجها هذا العام وضع خاصْ، لأنها كرمت مؤسسها المهنى إبراهيم نافع، وقد كان أول رئيس لمجلس إدارتها، إبان توليه منصب رئيس اتحاد الصحفيين العرب ونقيب الصحفيين المصريين،حيث وضع لبنة هذه الجائزة، وأسس عملها ولجانها. وهكذا دائما تأتينا من دبى رسائل جميلة، وأن هناك خصائص ومعانى سامية، تحمل إلينا قيما وحبا واطمئنانا على مستقبل العرب ودورهم فى عالمهم، وأنهم فعلاً يبنون المستقبل، ولا يترددون فى المشاركة فى بناء حضارة جديدة معاصرة، يكون فيها للعرب دور كبير.جائزة دبي، بتكريمها هذا العام شيوخ مهنة الصحافة فى مصر، وتكريم شبابها الذين يحملون على أكتافهم مهمة استمرار هذه المهنة السامية، حملت لنا رسالة أمل بمستقبل الصحافة فى مصر، وأنها تسير نحو التطور والتعافى مما ألم بها فى السنوات الماضية، ورسالة أخرى بأننا عندما نتحرك ونصحح مساراتنا فى السياسة والاقتصاد، فإن الصحافة تكون دائما فى المقدمة، وقد جاءت من إخوة يحبوننا فى الإمارات، وكانوا معنا فى كل مراحل المعاناة، ثم الفرحة بالخروج من أى انتكاسات أو تطورات سلبية نتجت عن حالة الفوضى والاضطراب التى ألمت بمصر.
فتحية لهم، ولنادى دبى للصحافة. وتحية أيضا لشيوخ الإمارات، فمازلت أتذكر مبادراتهم ومشاركتهم الخلاقة معنا فى مصر عندما أنشئت مجلة الأهرام العربى فى النصف الثانى من التسعينيات، أن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبى شارك بنفسه وأبنائه ودعا كل شيوخ الإمارات لسباق الأهرام العربى للخيول الذى استمر لمدة 3 سنوات، كتظاهرة رياضية مميزة، جمعت بين السياسة والرياضة، لكى يلتف العرب حول مصر بعد سنوات المقاطعة العربية المريرة التى ألمت ببلادنا، ولكى يكون شيوخ الإمارات فى مقدمة من يعودون إلى مصر، ويعلنون ذلك تحت سفح الأهرامات، وفى رياضة العرب الأولى بخيولهم، كإشارة محبة لمصر وشعبها، ولصحيفة الأهرام ومجلة الاهرام العربي، فهم أصحاب مبادرات خلاقة ورؤى متجددة فى المنطقة العربية، وأن محبتهم لمصر متجددة ومتجردة، وتحمل مثلا ومعرفة بخصائص القيم العربية الأصيلة، وإدراكاً عميقاً واعيا بأن مصر بالعرب والعرب بمصر.