الأهرام
سعاد طنطاوى
الصفقة الرابحة
كان رسولنا الكريم ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يجلس وسط أصحابه ،فدخل عليه شاب يتيم يشكو إليه . قال الشاب :يا رسول الله كنت أقوم بعمل سور حول بستانى ، فقطع طريق البناء نخلة هى لجارى ، طلبت منه أن يتركها لى كى يستقيم السور فرفض ، فطلبت منه أن يبيعنى إياها فرفض أيضا .
طلب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتوه بالجار . أتي الجار وقص عليه النبى صلى الله عليه وسلم شكوى الشاب ، فصدّق الرجل على كلام النبى ، وسأله النبى ان يترك نخلته للشاب أو يبيعها أياه ، فرفض الرجل ، فأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : بع له النخلة ، ولك نخلة فى الجنة يسير الراكب فى ظلها مائة عام . فذهل اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من هذا العرض المغرى جدا جدا ، فمن ذا الذى يدخل النار وله نخلة كهذه فى الجنة ! فهو عرض صريح بدخول الرجل الجنة ، وما الذى تساويه نخلة فى الدنيا مقابل نخلة فى الجنة !

لكن الرجل رفض مرة أخرى طمعا فى متاع الدنيا . فتدخل أحد اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعى " أبا الدحداح " وقال للنبى إن أشتريت تلك النخلة وتركتها للشاب ، ألى نخلة فى الجنة يا رسول الله ؟ فأجاب الرسول : نعم .

والتفت أبو الدحداح للرجل قائلا : أتعرف بستانى يا هذا ؟ فقال الرجل : نعم ، فمن فى المدينة لايعرف بستان أبى الدحداح ذا الستمائة نخلة ، والقصر المنيف ، والبئر العذب ، والسور الشاهق حوله، فكل تجار المدينة يطمعون فى تمر أبى الدحداح من شدة جودته .

فقال أبو الدحداح : بعنى نخلتك مقابل قصرى وبئرى وحائطى .هنالك نظر الرجل الى النبى صلى الله عليه وسلم غير مصدّق ما يسمعه ، أيعقل أن يقايض ستمائة نخلة من نخيل أبي الدحداح مقابل نخلة واحدة ، فيالها من صفقة رابحة ، ناجحة بكل المقاييس. فوافق الرجل على الفور، بل وأشهد النبى صلى الله علية وسلم والصحابة على البيعة . وبعد ان تمت البيعة نادى أبو الدحداح الشاب اليتيم ,وقال يا فلان : النخلة منى اليك أذهب وخذها .

ونظر أبو الدحداح الى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم سعيدا متسائلا : ألى نخلة فى الجنة يا رسول الله ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : لا . فصدم أبو الدحداح من رد النبى . واستكمل النبى قائلا : الله سبحانه وتعالى عرض نخلة مقابل نخلة فى الجنة ، وانت يا أبا الدحداح زايدت على كرم الله ببستانك كله ، ورد الله على كرمك ، وسبحانه ذو الجود والعطاء بأن جعل لك فى الجنة بساتين من نخيل أعجز على عدها من كثرتها . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : كم من عذق رداح لأبى الدحداح ، والعذق الرداح هنا ، هى النخيل المثقلة من كثرة التمر عليها . وظل النبى صلى الله عليه وسلم يكرر جملته هذه أكثر من مرة لدرجة أن الصحابة تعجبوا من كثرة النخيل التى يصفها النبى لأبى الدحداح ، وتمنى كل واحد منهم لو كان أبو الدحداح .

وعندما عاد اأبو الدحداح الى امرأته ، دعاها الى خارج البيت ،وقال لها : لقد بعت البستان والقصر والبئر والحائط ، فتهللت الزوجة من الخبر ،فهى تعرف خبرة زوجها فى التجارة وشطارته . وسألته عن الثمن فقال لها :لقد بعتها بنخلة فى الجنة يسير الراكب فى ظلها مائة عام .فردت عليه متهللة : ربح البيع أبا الدحداح ، ربح البيع أبا الدحداح . انها صفقة مربحة فمن منا لايقايض دنياه بالاخرة ، فالدنيا لاتساوى ان نحزن لها ونغتم بهمومها وتصيبنا أمراضها ، وفى النهاية كله الى زوال فلنخطو خطى أبى الدحداح وانا كنا لانملك بستان ، فاننا نملك الباقيات الصالحات وهى "سبحان الله ،الحمد لله ، الله أكبر ، ولا حول ولا قوة الا بالله " ولا نكون مثل الذين يقفون عند الاية الكريمة فى سورة البقرة "المال والبنون زينة الحياة الدنيا " ولا يستكملون الاية الكريمة " والباقيات الصالحات خير وابقى " حيث يبقى ثوابها ويدوم جزائها .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف