الوفد
محمود غلاب
حكاية وطن .. ترزية القوانين
كانت للدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق - الذي ظل علي مقعد رئيس البرلمان عشرين عاماً متصلة بدأت بعد اغتيال الدكتور رفعت المحجوب حتي قيام ثورة 25 يناير- طريقته الخاصة في الإقناع، وتحويل السلبيات الي ايجابيات. مثلا تعبير "سيد قراره" الذي أطلقه علي المجلس لعدم تنفيذه قرارات محكمة النقض ببطلان عضوية نواب الحزب الوطني حوله سرور الي موقف ايجابي، وقال إن كل إنسان هو "سيد قراره" وكل مؤسسة سيدة قرارها ومعناه أنه صاحب قرار وإرادة حرة. وعن مقولة "سيد قراره" قال إن هذا التعبير خاص بالدكتور رفعت المحجوب، ولم يصدر في عهده، وكان في مناسبة معينة، وتمسك المحجوب بقرار اتخذه المجلس، وقال إن المجلس سيد قراره، وانصرفت هذه المقولة الي المجلس عندما كان يرفض تقارير محكمة النقض، لأنها ليست أحكاماً، وكانت تخضع لتصويت ثلثي أعضاء المجلس الذين كانوا يرفضونها.
وطبعاً كلام الدكتور سرور منطقي من الناحية النظرية، ولكنه من الناحية الموضوعية والعملية فإن رفض المجلس بطلان عضوية النواب المزورين كان سُبة في جبين المجلس والحياة النيابية بشكل عام، وكان مجلس شعب عام 2010 الذي تم تزوير انتخاباته بالكامل وحصد فيها الحزب الوطني جميع المقاعد أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير.
الواقعة الثانية من وقائع سرور في الإقناع، هي تفسيره لترزية القوانين والذين كانت تتهمهم المعارضة بتفصيل القوانين علي حساب السلطة فقط، وإغفال حقوق الشعب الذي كانت تصدر القوانين باسمه، وتحولت القوانين خلال هذه الفترة الي وسيلة لتضييق الخناق علي الشعب وليست أداة للحصول علي حقوقه، وقال سرور إن مصطلح ترزي القوانين ليس سبة، لأن الترزي الشاطر يلجأ إليه الناس لتفصيل ملابسهم والمشرّع الشاطر يتم اللجوء إليه في إعداد القوانين المطلوبة لتخرج من تحت يده بالمقاس المطلوب.
الدكتور سرور - متعه الله بالصحة - عاد الي ممارسة مهنة المحاماة، وكان يترافع عن غريمه السابق صفوت الشريف في قضية الكسب غير المشروع منذ أيام، وأعجبني تعبير له خلال محاضرة ألقاها في معهد المحاماة بالسويس للمحامين الجدد، بأنه كان يعطي مساحة كبيرة للمعارضة في مجلس الشعب للتعبير عن رأيها، وكان يرفض توجيهات من الحكومة والحزب الوطني بتضييق الخناق علي المعارضين، وبالفعل رغم قلة عدد نواب المعارضة في المجالس التي كان يسيطر عليها الحزب الوطني، إلا أن سرور كان يجعلهم يصولون ويجولون داخل القاعة وكأنهم أغلبية، وأضيف من عندى كان نواب الأغلبية إما "مزوغين أو نائمين" في القاعة، وكان النائب المعارض يحصل علي مساحة من الكلام تساوي أضعاف ما كان يحصل عليه نائب الأغلبية وتسبب نواب المعارضة في حرج شديد للحكومة في الكثير من المواقف من خلال الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة.
وكان سرور يعرف كيف يفرمل النواب، ويقطع الإرسال في الوقت المناسب، ولكن رغم المناقشات الحادة، والاتهامات الخطيرة إلا أنها كانت تنتهي إلي لا شيء، لأن أغلبية الحزب الوطني المزيفة كانت تستيقظ لحظة التصويت، وتستخدم حق الفيتو ضد كل مطالب المعارضة والتي كانت تنتهي الي الرفض حتي ولو كانت مطالب مشروعة.
باختصار كانت مسرحية وراءها مخرج جيد، كانت المعارضة تمثل فيها بأحاسيس صادقة وكان المخرج يطرب من تصفيق الجمهور قبل إغلاق الستار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف