الوفد
مصطفى عبيد
خارج السطر .. سر أحمد خالد توفيق
على جُدران المقبرة عُلقت رسائل حُب. بُثت مشاعر وداع. تساؤلات وسلامات ومحبة غامرة تعنى أن الرجل مغروس فى قلوب الملايين. خلف نعشه ساروا يُناجون روحه. شباب وفتيات من كُل مكان. محبون وأصحاب أمل وطُلاب نصيحة وجدوا ضالتهم عنده. رأوه قريباً منهم، شبيهاً بهم، حانياً عليهم، متواضعاً أمامهم.
ذلك سر أحمد خالد توفيق يوم موته. رحيله كان ميلاده الحقيقى. أثبت أنه عاش، وبقى، وحجز مقعداً فى سجل الخالدين.
من السهل أن تكتب. لكن أى كتابة تبقى؟ أى حروف تخلد؟ أى كلمات تلتصق بشغاف القلوب؟ أى إبداع يُغيّر. يُبدّل. يمحو قُبحاً ويصنع خيراً؟ أى كتابة تُجدد أملاً وتفتح باباً أمام مُحبط؟
من اليسير أن تُسمى كاتباً. تحمل قلماً وترص كلاماً على الورق. لكن أى ورق وأى كلام ولمَ ولمَن؟ سهل أن تدوّن قصيدة فى مدح سفاح. أن تدبج مقالاً فى تعظيم تافه. أن ترُد اتهاماً عن صاحب نفوذ. أن تلون وتُجمل قبيحاً. أن تقول كما يقول القطيع مُكرراً دون تدبر أو تأمل أو إعادة نظر.
كثيرون يكتبون. لكن مَن حاز محبة الناس هو مَن كتب لهم. لا للسلطة. لا للنُخبة. لا للربح المادي. لا طلباً للشهرة. هكذا كان «توفيق» متواضعاً، متوارياً عن الإعلام، ومُنهمكاً فى الكتابة ولا شىء غيرها. يُحسب للرجل أنه فتح الباب أمام قطار الخيال ليتجاوز محطاته التقليدية. ينطلق إلى مساحات غير مطروقة، لا يعترف بقضبان أو خطوط سير. أن يتحرر عقلاً وقلباً وروحاً. هبط «توفيق» من علياء الأدباء إلى شوارع البسطاء ماداً يده. لم يتعال. لم يتردد. لم يُداهن نُقاداً وسُلطة، لأنه بالشباب انتصر.
غار كثيرون من وداع آلاف المُحبين له. كُل هؤلاء الأتباع ولا نعرفك! هكذا صاح زاعق وكرر مُتغطرس، لكنهم تمنوا فى نفوسهم أن يكون رحيلهم كرحيله. حسدوه على موت عظيم يليق بشخص عميق التأثير فى الآخرين. لاموه على خنوعهم، وانسحاقهم، ولا تأثيرهم لأن الناس لا تجد لديهم بصيص جمال.
عاش أحمد خالد توفيق يوم موته، بينما يمضى كثيرون حولنا صاخبين مُهللين صادحين وهُم موتى.
تُدهشنى كلمات الراحل وأجدها مُنزرعة فى تُربة الدماغ حين يقول:
- هناك جريمة شنعاء تستأهل أعنف العذاب فى هذا العالم، وهى جريمة أن تكون مختلفًا.
- البشر لا يقدرون على توزيع الثراء منذ بدء التاريخ، لذا اكتفوا بتوزيع الفقر.
- إن نهاية الطغاة لشىء جميل، لكننا للأسف لا نعيش حتى نراها.
- الحرص على العدل وعدم التحيز قد يدفع الناس لأقسى أنواع الظلم.
- أحب مباريات كرة القدم المعادة، حتى أقوم من البداية بتشجيع الفريق الذى سيفوز.
- القبر لا يبالى باسم العظام الراقدة فيه.
- لغز هذا البلد هو أن هناك دائماً من يشترى فى كل وقت وبأى سعر.
- ستكون مشاهد جنازتى مؤثرة وجميلة لكننى لن أراها للأسف رغم أنى سأحضرها بالتأكيد.
والله أرحم وأعلم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف