الدستور
منى حلمى
شم النسيم فى موسم الشِتاء
ها هو موسم الربيع، يقتحم مرة أخرى، شرنقتى الخاصة، المعطرة بالبخور، والموسيقى الهادئة، ونداءات القصائد.. ها هو الربيع لا يخلف الميعاد، رغم أن كل الأشياء الأخرى فى هذا العالم سيئة التوقيت. ها هو الربيع، يفسد مزاجى، و«يعكنن» أوقاتى، بصخبه الملون، وعواصفه الترابية، وأسماكه المملحة، ودفئه الزائف. مأساة حقيقية أن أعيش فى عالم، يحتفى بالربيع، ويجعله عيد الأعياد، وأنا لا أحب الربيع. مأساة حقيقية أن تلدنى الحياة فى موسم الربيع، وأنا «خريفية التكوين»، «شتائية» المزاج. لا أحب الربيع. وأفهم تماما لماذا كان انتحار الشاعر ماياكوفسكى، والكاتبة فرجينيا وولف، والفنانة داليدا، فى موسم الربيع.
وما أكثر الأكاذيب التى ظل الربيع، على مدى آلاف السنوات، يبعثها مع نسماته المتربة!
منْ قال إن الربيع هو «التفتح»، و«الازدهار»، و«الحركة»، و«الحيوية»؟. قال الربيع «أنا ثورة الأرض على ركود الشِتاء». هل الشِتاء حقا ركود؟.
إن التفتح، والازدهار، والحركة، والحيوية، والثورة- فى القلوب النابضة بالخير، المؤمنة بالعدالة، المشتاقة إلى الحرية. ولا علاقة بالأمر، إذا كان موسم الدفء، أو موسم البرد.. فصل الجفاف، أو فصل المطر... موسم الشمس المحرقة، أو موسم الغيوم، والضباب. إن مواسم الجفاف، والضباب، والصقيع- تقبع فى العقول، وفى النفوس.
إن العقل المتعصب أحادى التفكير، لن تشفيه دفقات ألوان الربيع. والقلب النابض بروائح الكراهية والحقد، لن تعطره كل ورود الربيع. والنفوس الباردة القاسية، لن تستطيع الاختباء وراء دفء الربيع. إن ربط «ربيع العمر»، بالسن الصغيرة التى تعنى الشباب، والطموح، والرغبة فى التغيير، أمر كاذب، ومتعصب، وجارح للنساء والرجال، الذين تقدم بهم العمر.
ما أكثر الناس الذين هم «بيولوجيا» فى مرحلة الربيع، لكنهم خاملون، جامدون... وانطفأت بداخلهم كل الأشياء ذات البريق. وما أكثر الناس، الذين تجاوزوا الربيع البيولوجى، ولكنهم فى قمة الحيوية والنشاط، والطموح... تشع منهم الطاقات الإيجابية. يختبئ الناس فيما يسمونه «البيات الشتوى»، وأنا أنتظر الشِتاء، لأنطلق بعيدا عن الزحام، والضجة، والتطفل.
إن الشجر العارى من الأوراق أجمل من الشجر المحجب بالأوراق. فهو مكتف بذاته. الشجر دون أوراق بسيط، وهادئ. والبساطة والهدوء هما أساس الجمال. الطبيعة الخالية من فوضى الألوان أكثر تحفيزا على التأمل. لا أجمل من احتساء كوب شاى ساخن، وتأمل أوراق الخريف التى تسقط، فى تواضع، وامتنان.
هل هناك أجمل من الغِناء تحت المطر؟ ولا أروع من شم النسيم، فى الخريف والشتاء، حيث الهواء المحمل بالشجن، والحنين إلى دفء الحبيب الغائب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف