الدستور
سيد عبد القادر
هل بدأت عملية إلقاء قطر فى البحر؟
قبل أسابيع قليلة من ذكرى مرور سنة على بداية الأزمة بين قطر ودول التحالف الرباعى المناهض للإرهاب.. وحيث تتعقد المشكلة أكثر وأكثر من هذه الدويلة المارقة التى تصر على موقفها من زرع الفتن والقلاقل بين دول المنطقة، وتدفع المليارات بكل حماس من أجل تحقيق هذه الغاية غير النبيلة.. أزيح الستار عن مشروع لشق قناة بحرية على الحدود السعودية القطرية بطول ٦٠ كيلومترًا، سوف تؤدى بالفعل إلى استئصال قطر من جسم الجزيرة العربية وتحويلها إلى جزيرة فى الخليج العربى، تحيطها المياه من كل جانب.. بعد أن عاشت منذ بداية الخليقة كشبه جزيرة.
المشروع أثار خيال كل المواطنين الخليجيين فور الإفصاح عنه لأول مرة منذ أيام، من خلال موقع صحيفة «سبق» الإلكترونية السعودية، وسرعان ما تناقلت تفاصيله كل وسائل الإعلام الدولية.
مشروع حفر هذه القناة يشير إلى أنها ستكون بطول ٦٠ كيلومترًا وبعرض ٢٠٠ متر، وبعمق ١٥ إلى ٢٠ مترًا، وهو لن يغير جغرافيا المنطقة فقط، بل سيغير فى تاريخها أيضا، وربما أصبح ينظر إلى هذا المشروع باعتباره أول حل جغرافى لمشكلة سياسية تتعقد يوما بعد يوم بسبب عناد قادة «جزيرة المستقبل».
المشروع الذى قدرت تكلفته المبدئية بـ٢٫٨ مليار ريال سعودى، سيتم تنفيذه بواسطة تحالف استثمارى سعودى، مكون من ٩ شركات فى هذا الحقل، وهو لايزال ينتظر التصديق الرسمى الخاص للبدء فيه، ومن المتوقع أن يكتمل إنجازه خلال ١٢ شهرًا فقط.
ومن المقرر أن تبدأ القناة البحرية الجديدة من منطقة سلوى الحدودية إلى خور العديد، لتكون بامتداد الساحل الشرقى السعودى كاملا، وستكون القناة قادرة على استقبال جميع أنواع السفن من حاويات وسفن ركاب يكون الطول الكلى لها ٢٩٥ مترًا، وأقصى عرض للسفينة ٣٣ مترا، وأقصى عمق للغاطس فى حدود ١٢ مترًا.
ومن الأسباب المشجعة على إقامة المشروع، كما قيل، أن تلك المنطقة طبيعتها رملية، وهى خالية من أى عوائق تعترض تنفيذها، حيث لا توجد بها أى تضاريس وعرة، وسلاسل جبال وحتى قرى أو مناطق سكنية أو زراعية.
وقد أعلن أن القناة ستكون داخل الأراضى السعودية، على بعد نحو كيلومتر كامل من خط الحدود الرسمى مع دولة قطر، ومع أن المدى المقترح هو كيلومتر إلا أنه سيتم عرض ذلك على الجهات ذات الصلة مثل وزارة الدفاع وحرس الحدود لتحديد المساحات الآمنة واللازمة، ووفقا للمعلن حتى الآن فإنه يمكن أن يتم توسيع المسافة الفاصلة إلى ٥ كيلومترات، حسب التفاهمات مع الجهات الأمنية.
أعترف بأن أخبار هذا المشروع أصابتنى بحالة كبيرة من الدهشة، باعتبارى واحدا من أبناء جيل عاش نهاية حقبة الستينيات من القرن الماضى، عندما كان العرب يتمنون أن يلقوا بإسرائيل فى البحر، ومرت سنوات طويلة بل عقود ولم تتحقق هذه الأمنية، وتبين أنها أمنية مستحيلة، ودارت الأيام وتغير الحلم وأصبح هناك من يريد إلقاء قطر فى البحر، لأنها تصر على إشعال النار فى كل بلد من بلدان المنطقة، وتعتبر هذا بمثابة هدف مقدس تنفق عليه بسخاء من الغاز الذى أنعم الله به عليها، وهى ثروة لا بد أن تنضب فى يوم من الأيام.
البعض شبه هذا المشروع بأنه بمثابة عملية استئصال لقطر، ومعاملتها كالورم الخبيث الذى استشرى وأصبح علاجه مستحيلا، والبعض الآخر اعتبره محاولة لدرء الشرور التى أسكنها أمير قطر فى جزيرته، فقد جلب آلاف الجنود الأتراك، وعناصر من الحرس الثورى الإيرانى، بالإضافة إلى أكبر قاعدة جوية أمريكية فى العالم وهى قاعدة العديد.. وهكذا أصبح عدد الجنود الأجانب فى قطر مقاربا لعدد السكان الأصليين الذين أصبحوا غرباء فى بلدهم.. ومن الطبيعى أن ينظر بعين الريبة لكل هذا التواجد العسكرى على أرض قطر، خاصة أن المنطقة لا تحتمل مزيدا من الجنون.
لقد كان الإعلان عن هذا المشروع مفاجأة أذهلت الكثيرين من أهل الخليج، ولهذا لم تتوقف التعليقات على مواقع التواصل الخليجية على مدى أيام، ورغم أن أغلب التعليقات كانت تراه- أى المشروع- حلًا فرضته الظروف، رغم أنه تم الإعلان عن المشروع باعتباره مشروعا اقتصاديا سيضيف شواطئ جديدة إلى السعودية بطول ٦٠ كيلومترًا، وسيتيح إنشاء العديد من المنتجعات السياحية على هذه الشواطئ، فإن الكثيرين كانوا يدركون أن هناك أهدافا أمنية وعسكرية وسياسية لم يتم التطرق إليها.
ولذلك كان من الطبيعى أن يتساءل البعض: ماذا إذا تغير نظام الحكم فى قطر؟ هل سيتم الإبقاء على القناة كما هى؟ أم سيتم التفكير فى إنشاء جسر يكلف المليارات من أجل ربط «جزيرة قطر» بشبه الجزيرة العربية من جديد؟.
عن نفسى يشغلنى كثيرا حال المواطنين القطريين العاديين الذين لم يشاركوا فى صنع الأزمة، وربما لا يوافقون على أسلوب إدارتها من حكامهم، كيف سيتعاملون مع الأخبار الخاصة بهذا المشروع، فى ظل حقيقة لا يمكن إغفالها وهى أن الكثير من العائلات القطرية منقسمة بين أكثر من دولة من دول مجلس التعاون، وقد انقطعت بهم السبل نتيجة هذه الأزمة التى مضى عليها قرابة عام دون أى بارقة أمل يشير لاقتراب حلها. لا بد أن أخبار مشروع حفر القناة الجديدة لن تسعدهم كثيرا، لأنها ستجعلهم أكثر عزلة بسبب سياسات حكامهم الخرقاء.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف