أشرف السويسى
«كلام جرايد».. ظاهرة الجوانتي
تصريحات صادمة تلك التى قالها وزير الصحة د.أحمد عماد خلال ندوة إصلاح المنظومة الصحية، كما ورد فى صحيفة الأخبار المسائى، حيث اعترف معاليه بدرجة أدهشتنى وخلعت قلبى على بلدى، أن يكون مسئول تنفيذى فى وضع العجز، حيث أكد عدم قدرة الوزارة والحكومة على مواجهة أصحاب النفوذ، حينما فشلت الدولة فى غلق محل بيتزا شهير فى منطقة الساحل بعد العثور على "جوانتى" خاص بأحد العاملين داخل وجبة بيتزا، وهو الأمر الذى فتح الباب لمواجهة مخالفات لقوانين عديدة بسبب أصحاب النفوذ، ولم يتذكر معالى الوزير سوى أصحاب النفوذ، فهم ليسوا وحدهم، وإنما أيضا أصحاب "المصارى" أو الفلوس، وكما قال اللمبى فى أحد أفلامه (اللى بالى بالك).. "الجنيه غلب الكارنيه"، وأضيف عليه وغلب القانون أيضا بل والجهات التنفيذية.. تسوى إيه أن يعترف رجل من كبار السلطة التنفيذية فى بلدنا بعجزه عن غلق مجرد محل لم يوفر الشروط الصحية، ولم يستطع مواجهة مافيا الأدوية التى اصطنعت الأزمة، وكذا المراكز الطبية التى تحدت الحكومة وقرارات الغلق، وظلت تفتح وتعمل، وكذا السناتر (جمع سنتر أو مركز) التعليمية، ومخالفات المبانى، وغيرها الكثير والكثير؟ ولنركز على حالة "الجوانتى" الأخيرة والتى أصبحت رمزا ليس كما ظهرت فى حالة البيتزا، ولكن فى حالات أخرى، ورغم أن القانون ومجلس نقابات مهنية تعاقب عليها، وأعنى بها ما يحدث فى حالة أطباء الجراحة، حيث كنا نسمع ونقرأ فى الحوادث عن تحويل بعض هؤلاء الأطباء للتحقيق فى النقابة بتهمة أنه نسى جوانتى أو فوطة (قطن) أو جوانتى أو مقص أو ربما موبايل داخل أحشاء المريض، وربما الاستدلال على الموبايل أسهل، وذلك بعد الاتصال عليه مرة أخرى.
وا أسفاه على حال بلد ملك التاريخ ولم يملك حاضرا مشابها، ورغم ذلك موعود بمستقبل رائع لو حقق عدالة وإنفاذ القانون على الجميع بلا استثناء، فلا مجال لصاحب نفوذ أو صاحب كارنيه أو جنيه.. مصر وقوانينها المفروض أنها فوق الجميع، البلد الذى خرج من مد ثورى بموجات متعددة، وكان موعودا بنسيان تراث الاستعمار والملكية وميراث الفساد الإدارى والبيروقراطى، للأسف ما زال يرزح تحت نير الفساد والرشوة والمحسوبية برغم الجهد الرائع للجهات الرقابية والتى لا تملك سوى القضاء على بعض الفاسدين، ولا تملك التحكم فى الفساد ذاته، والذى لن يمحوه سوى عدالة تطبيق القانون على الجميع بحزم وحسم وقوة، نحتاج إلى اللحاق بركب الأمم المتحضرة أو على الأقل مع من بدؤوا معنا مشوار التقدم والتنمية مثل كوريا الجنوبية والهند وماليزيا وإندونيسيا، فمصر تستحق أكثر بكثير مما هى عليه الآن، أخشى أن يطال الإهمال أشياء كثيرة حتى نجد فى كل مشكلة تواجهنا وقد نسى أحدهم فيها "الجوانتى" أيضا ويعرقل مسيرة تقدمنا، وأخشى أن يتحول "الجوانتى" ذاته إلى ظاهرة فى المشهد المصرى المعاصر، فليطرح كل منا "جوانتى" الإهمال والفساد والرشوة والمحسوبية الذى بداخله.