جمال سلطان
اندماج الأحزاب السياسية هل هو الحل ؟
ينتشر الآن الحديث عن الدعوة لاندماج الأحزاب السياسية المصرية في ثلاثة أو أربعة أحزاب كبرى ، بما يعزز فكرة التعددية السياسية ويعطي الفرصة لوجود كيانات سياسية مؤثرة وفاعلة ، بدلا من التشرذم في أكثر من ثلاثين حزبا ، بعضها لا يكاد يوجد له أي حضور سياسي على الإطلاق ، لا في الشارع ولا في البرلمان ولا حتى في الإعلام ، وأغلب المصريين لا يعرفون حتى اسم الحزب ناهيك عن رئيسه أو قيادته ، وبالمقابل فإن الكتلة السياسية الأكثر أهمية والتي تصنع الكثير من الأحداث السياسية وتوجه بعض السياسات ، أو بمعنى أصح ، تعمل على تنفيذها وإخراجها من خلال البرلمان ، وتدعم النظام السياسي ورئيس الجمهورية بشكل خاص ، هذه الكتلة ليس لها حزب سياسي ، هي مجرد "ائتلاف" ، وهي حالة سوريالية لا تكاد توجد إلا في مصر ، فالحزب القائم ليس له دور ولا وجود ، ومن ليس له حزب هو الموجود وهو الفاعل وهو المؤثر أكثر من أي حزب .
الدعوة اتسعت عندما أشار إليها السيسي في كلمة عابرة ، ولذلك اتجه كثيرون إلى الخوض فيها من باب التزاحم على باب السلطان وإظهار التفاني والولاء لكل كلمة يقولها أو كل خاطرة تخطر على باله ! ، ولم تنشأ من قناعة حقيقية من الكتل السياسية أو الأحزاب القائمة ، لكن لا بأس ، فلنتجاوز عن هذه الملاحظة ، ولنتحدث عن الفكرة في جوهرها ، وهي فكرة مهمة وجديرة بالتأمل بل وجديرة بالتنفيذ أيضا ، ولكن وفق شروط خاصة للمناخ السياسي الذي تعمل فيه .
إذا كان الهدف هو بالفعل تنشيط الحياة السياسية وتخصيبها ومنحها حيوية أكبر وتأثيرا أكبر ، فإن المدخل الأساس لذلك هو أن ترفع الأجهزة الأمنية يدها عن تلك الأحزاب والائتلافات ، فلا يمكن أن تكون الانتخابات تديرها وتوجهها وتشرف على مخرجاتها بالتفصيل الأجهزة الأمنية بمختلف مستوياتها ، ثم تحدثني عن تنشيط الحياة السياسية وجعلها أكثر حيوية وحضورا وقوة باحتماعها في حزبين أو ثلاثة ، والله لو جمعتها في حزب واحد ، فلن يغير ذلك شيئا ، ولن يضيف شيئا ، لأنها كيانات لا تملك قرارها ، لا تمارس سياسة بشكل صحيح ، هي كيانات وظيفية تعمل كسكرتارية تنفيذ لما يطلب منها من سياسات أو أفكار أو نشاطات ، هذا ناهيك عن أن تكون الأجهزة هي التي تؤسس الحزب نفسه وتوزع المسئوليات وتختار الكوادر والقيادات ، وبالتالي فلا بد من قطع هذا الحبل السري بين الأحزاب وبين الأجهزة ، ليكون لدينا حياة سياسية حقيقية .
جيد أن يكون هناك حزب لقوى الوسط السياسي المعبر عادة عن الحكومة القائمة ، وليكن من كوادر ما يسمى "ائتلاف دعم مصر" ، لكن إذا صح ما تردد من أن الحزب الذي يجري التشاور حوله هنا ستمنح رئاسته للمهندس إبراهيم محلب ، فنحن هنا لا نتحدث عن سياسة وأحزاب ، بل عن شيء آخر تماما ، مع كامل احترامي للمهندس محلب وما أعرفه من جديته في العمل وإخلاصه لما يوكل إليه من مسئوليات ، ولكن السياسة شيء مختلف تماما ، الحزب السياسي ليس جهازا إداريا ملحقا بأي جهة رسمية .
أيضا ، لا بد من إعادة ضبط القوانين التي تتعلق بالأحزاب وحصانتها وشروط حل الأحزاب ، وشفافية التعامل مع أي انقسامات تحدث في أي حزب ، لأن هذا هو المدخل المشهور ، منذ أيام صفوت الشريف ، لتدمير أي حزب لا يدخل بيت الطاعة أو يتصور أنه حزب سياسي فعلا ، وكان ذلك أحد أهم أسباب ضعف الحياة السياسية وهزالها ، لا بد من شفافية كاملة في القوانين والإجراءات التي تضمن استقلالية الأحزاب وحصانتها ، وفق ما ورد في الدستور نصا وروحا ، وليس وفق التفصيلات القانونية التي أرادت إعادتنا للتجارب التي تم بها تدمير حزب العمل ـ إبراهيم شكري وعادل حسين ـ أو حزب الأحرار أو حزب الغد ، أو غير ذلك من التجارب .
أيضا حرية إطلاق الأحزاب السياسية لا بد أن تكون مكفولة وميسورة ، حتى لا تتحول رخصة الحزب "الصعبة" إلى مجرد "سبوبة" ارتزاق يتنازع حولها كوادر طامحة ويتسابق بعضهم للاستناد إلى "ظهير" أمني أقوى لتمكينه ، لأنه يدرك أنه إذا خرج من الحزب خسر كل شيء ويستحيل عليه أن يحصل على رخصة حزب آخر ، وهذا ما حدث مع المهندس نجيب ساويرس وتجربة "المصريين الأحرار" ، وفي أي ديمقراطية حقيقية في العالم كله ، يمكنك أن تعلن حل حزب وإنشاء حزب آخر مكانه في اليوم نفسه ، بدون أي مشكلة أو عائق قانوني ، وهذا المدخل من شأنه أن يعطي إحساسا أكبر بالأمان لدى المشتغلين بالعمل العام ، ويعزز جدا من فكرة الاندماج بين الأحزاب لتشكيل كيانات أقوى وأكثر حضورا ، لأن "رخصة" الحزب هنا تفقد قيمتها كسبوبة للارتزاق يصعب الحصول عليها .
في تقديري ، أن مصر في اللحظة الحالية لا تحتاج سوى إلى أربعة أحزاب على الأكثر ، حزب يمثل تكتلا لقوى الوسط الموالية عادة للسلطة التنفيذية القائمة ، وحزب يمثل الكتلة الليبرالية وفروعها ، وحزب يجمع الكتل اليسارية وفروعها الناصرية والقومية ، وحزب يجمع التيارات الإسلامية في كيان واحد ، لأن هذه الكيانات الأربعة تمثل بالفعل التيارات السياسية الحاضرة في المجتمع والفاعلة في الحياة العامة ، وعندما فتح السادات ـ رحمه الله ـ الحياة السياسية في السبعينات للتعددية من جديد ، جعل هناك ثلاثة منابر : اليسار ومثله التجمع واليمين الليبرالي ومثله الوفد والأحرار والوسط ومثله حزب مصر العربي الاشتراكي ووريثه الحزب الوطني الديمقراطي ، وكانت الحياة السياسية أكثر خصوبة وحيوية من أي فترة لاحقة ، صحيح أن الرجال غير الرجال ، ولكن اجتماع الكوادر الرفيعة في كتلة حزبية واحدة كان يجعل لها هيبة وحضورا .