الأخبار
ابراهيم عبد المجيد
أحمد خالد توفيق ومفتاح الجنة !
مصر الجديدة

تلقيت خبر رحيل الكاتب أحمد خالد توفيق كما تلقيت خبر رحيل الكاتب مكاوي سعيد. صدمة وحزن ودموع. ورغم أني لم ألتق أحمد خالد توفيق إلا مرات قليلة إلا أني أعرف قيمته الأدبية. وأعرف أثره علي الأجيال الشابة. وأعرف أنه شق طريقا في الكتابة لم يكن موجودا في أدبنا العربي كما سبق وشق من قبل نبيل فاروق طريقا آخر يختلف. أحمد في منطقة الرعب والخيال ونبيل في منطقة الإثارة والجاسوسية وكلتاهما منطقتان كانتا غائبتين عن أدبنا العربي وموجودتان بكثافة في الأدب العالمي.
هذا النوع من الكتابة خبره جيلي قارئا قبل أن يظهر وينتشر في مصر بسنوات طويلة من قراءة الروايات العالمية. لكن نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق جعلاه رافدا مصريا وعربيا. وليس عيبا أبدا ولا ميزة أن يكون لهذا النوع من الكتابة قراء أكبر بكثير جدا من قراء الأدب المتعارف عليه من قصة ورواية وشعر. قراء هذا النوع من الأدب عادة صغار السن يحبون أن يدخلوا مناطق الإثارة. وهذا الأدب لا يفسد ذوق القراء كما يقول البعض. علي العكس يقدم إليهم المتعة وليس شرطا ولا عيبا أنهم قد لايقرأون غيره وقد لا ينتقلون منه إلي الأدب المتعارف عليه. وإن كان مؤكدا انتقال الكثيرين منهم بعد ذلك إلي الأدب العادي ومناطق القضايا الإنسانية الكبيرة.
في العالم كله قراء هذا الأدب أضعاف مضاعفة لقراء الأدب العادي. هذه حالة طبيعية. أجاثا كريستي الكاتبة البريطانية التي اشتهرت برواياتها البوليسية وزعت في حياتها مليار نسخة من أعمالها وهو رقم يساوي إن لم يزد عن كل ما وزعه الروائيون الإنجليز المزامنون لها أو سبقوها أو جاءوا بعدها أمثال جيمس جويس أو د.ه. لورانس أو سومرست موم أو من تشاء. الكاتبة الريطانية الحية جوان كاتلين رولينج صاحبة السلسلة الشهيرة »هاري بوتر»‬ توزع الملايين في أيام وتتخاطف السينما الباحثة عن المتعة والخيال أعمالها كما تخاطفت من قبل أعمال أجاثا كريستي. وتستطيع أن تمد الخيط إلي أمريكا. فراد براد بري كاتب الخيال العلمي المثير كان أعلي توزيعا ومثله الكثيرون من المعاصرين الآن. لذلك لم أشعر براحة مما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي عن الأديب الكبير الراحل من أن ما يكتبه لا يضارع الأدب أو إنه أفسد ذوق القراء وما إلي ذلك من كلام خائب. هو من البداية ترك منطقة الأدب العادي إلي الخيال والرعب. وإن كان رحمه الله علي ثقافة كبيرة تجلت في ترجماته أو في رواية مثل »‬يوتوبيا».كما تجلت في مقالاته التي انتصر فيها للإنسان وللمظلوم مهما كانت عقيدته أو مذهبه.
كان يفعل ذلك من منطق الإنسانية لا أي منطق آخر سياسي أو حزبي أو ما إلي ذلك. وإذا كان رحمه الله قد مات في اليوم الثالث من هذا الشهر وهو يوم إعلان نتيجة الانتخابات فأي ساذج ولا أريد أن أقول عاقل يعرف أنه لم يختار ذلك. وكان طبيعيا جدا أن يكون محورا كبيرا جدا في شبكات التواصل الاجتماعي. لم يمت عندا في الانتخابات ولا نتيجتها حتي يقلل البعض من قيمته أو يتهمونه إنه إخواني أو يدعون عدم معرفتهم به. من منا يملك موعد وفاته؟ هو لم يقصد أبدا التغطية علي أخبار الانتخابات. هو اختاره الله ولم يكن له قدرة علي إيقاف الاختيار.
ولقد شغل مواقع التواصل الاجتماعي لأن وراءه قراء بمئات الآلاف راحوا يملأون المواقع بفقرات من أعماله علي رأسها نبوءة موت أحد ابطاله في اليوم الثالث من إبريل. ليس ذنب أحمد خالد توفيق هذا البحر من القراء الذين بكوا عليه ولا هذا النهر منهم في بلده طنطا ومن خارجها الذين توافدوا علي جنازته وعزائه ولو لم يكن دفنه في نفس يوم موته لكان المتوافدين بحرا وليس نهرا.
تحول موته إلي مبارزات سياسية لا علاقة لها بالحقيقة وهي أن الموت ارادة الله وإنه كاتب كبير استطاع أن يحفر في الأدب طريقا كان غائبا وعشقه مئات الآلاف من القراء وكانت مواقفه من نبت الإنسانية لا شيئا آخر. رحم الله الكاتب الكبير أحمد خالد توفيق الذي كان مثقفا كبيرا وإنسانا شديد التواضع وفي المرات القليلة التي قابلته فيها كان يقف أمامي بكل تواضع وأكاد أمسك في خناقه وأقول له مازحا ماكل هذا التواضع يادكتور وأنت الذي لك كل هذه الجماهير الحاشدة من القراء.كان يرحمه الله يعرف أن للإبداع طرقا وقنوات ويعرف قيمة الكتاب الكبار ولو في طريق آخر. رحمك الله يا أحمد حتي اليوم لا أتخيل أنك فارقتنا ولابد ستكون اللافتة التي علقها الشباب علي قبرك »‬جعل الشباب يقرأون» هي مفتاحك الجميل إلي الجنة. ولنا الصبر علي فراقك.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف