الأخبار
كرم جبر
تثبيت القوة الناعمة !
إنها مصر
نشتاق لاستعادة القوة المصرية الناعمة، ومن يملأ فراغ طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ، وعبد الوهاب وأم كلثوم والسنباطي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ويوسف وهبي، والسينما والمسرح والموسيقي والأوبرا، ونجومنا العظام الذين كان عددهم أضعاف عدد سكان قطر إمارة الشر، نشتاق للهجتنا المصرية الجميلة، وأن تعود لألسنة مذيعاتنا الجميلات، اللائي اعوجت مخارج الألفاظ لديهن بلكنة لبنانية مفتعلة.
نشتاق لأشياء جميلة كانت علامة مصرية مسجلة، وتحالف ضدها أشقاء في الخارج ومتآمرون في الداخل، ونجحوا في تجريد كثير من المصريين من هويتهم الثقافية، التي هي حجر الزاوية للهوية الوطنية، وجرجروا في كهوفهم شبابا يفجرون أنفسهم في أبناء وطنهم، ويقتلون الأبرياء ويعتبرون الشعب هو العدو، ومسحوا عقولهم من أفكار حب الوطن، وملأوها بالألغام والديناميت والمتفجرات.
تنقصنا استعادة قوة الدولة الناعمة المصرية بأقصي سرعة، وإيقاظ الثقافة والعلوم والفنون والآداب، التي كانت تسري في روح الأمة وتلهمها بالخيال وتسلحها بالحماس، وانتصرنا في معارك كثيرة بالقوة الناعمة قبل الخشنة، وكانت سلاحنا الفعال في الهزائم والانكسارات، وهل نسينا الحماس الوطني المتدفق كالنهر بعد هزيمة 67، فارتفعت الروح المعنوية إلي ذروتها و»‬رغم الجرح ومر الزاد وعاشت مصر»، ورغم المحنة لم نر في بلادنا لصا يسرق أو جشعا يرفع الأسعار أو مغتصبا يتخفي بالظلام.
هوية الوطن هي السياج القوي الآمن، الذي نحتمي به في الانتصارات والانكسارات، والأفراح والأحزان، وقديما قالوا: إن المصريين في المحن يصبحون روحا واحدة في جسد واحد، فلا تجد نشازا ولا شذوذا ولا دعاة للفرقة والتشرذم والتناحر، وقوة الوطن تكمن في الحفاظ علي هذه الثوابت وتعظيمها وإعلائها.. مصر عادت وعودتها ضربة قاصمة تؤرق مضاجع المتربصين بها والكارهين لتعافيها.
كان الهدف هو إسقاط الدولة، وتصعيد حالة الفوضي والشلل والوصول بالأوضاع الأمنية إلي النقطة صفر، فالدولة الفاشلة هي التي تتولي أمن مواطنيها لجان شعبية، وبالفتوات والبلطجية وقطاع الطرق، ينظمون المرور ويحتلون الميادين، ويتحكمون في الخلق ويفرضون قانونهم، وهل نسينا حوادث الخطف والاغتصاب وسرقات السيارات، والعدالة العشوائية بالقبض علي المواطنين وزعم ارتكابهم جرائم، وتنفيذ العقوبة فيهم في الشوارع بطرق غوغائية.
كان الهدف هو السعي إلي استبدال مؤسسات الدولة بكيانات بديلة، وتلقي جهاز الشرطة أصعب الضربات، من الدعوات الكاذبة إلي هيكلته بهدف تصفيته، إلي ظهور الضباط الملتحين لأخونة الأمن، ناهيك عن التنكيل بجهاز أمن الدولة، وضرب جهاز معلومات الدولة ومحاولات محو ذاكرة الأمن، وكانت عمليات حرق أقسام الشرطة تستهدف توصيل رسالة للداخل والخارج بأن الدولة غير قادرة علي حماية مواطنيها، ولكن خاب مسعاهم ووقفت البلاد علي قدميها واستعادت قوتها.
كان الهدف هو تمزيق النسيج الوطني، وإشعال فتن دينية مع الأقباط شركاء الوطن، وتأجيج صراعات مذهبية بين أبناء الدين الواحد، والحمد لله أن الناس أنفسهم اكتشفوا خطورة العبث بالأديان، وأن البلاد إذا وقعت في أتونه، فلن تقدر علي إطفاء الحرائق ولو بعد عشرات السنين، وتجلت عظمة المصريين في إعلاء الهوية الوطنية، والاحتماء بالمخزون الاستراتيجي للتعايش الهادئ، تحت مظلة الدولة التي تحمي الجميع، ولا تفرق بين مواطنيها.
كان أهل الشر علي يقين بأن مخططهم لن ينجح في هدم مصر، إلا إذا ضربوا القوتين معا، الأيدي التي ترفع العلم والأصوات التي تهتف بالنشيد، وابتلع الطعم السام جماعات من النشطاء والسياسيين والإعلاميين، رقصوا علي نشاز الإخوان، وعلي أدخنة الحرائق وروجوا للباطل، وساهموا في مخطط إفشال الدولة، ولكن عادت مصر لأن الدولة القوية عادت، ومن لا يري ذلك فهو مصاب بانعدام الرؤية، والقوة ليست أدوات الردع الخشنة فقط، ولكن أيضا في استعادة أجمل الأشياء التي كانت فينا وتتأخر في العودة، إنها الهوية التي ميزت المصريين علي مر العصور.


تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف