الأخبار
فؤاد عبد المنعم رياض
هل الإنجاب حق مطلق للإنسان؟

تتعثر العديد من الدول في الآونة الحالية وعلي رأسها مصر في الخروج من مأزق تاريخي يتوقف عليه مستقبلها إن لم يكن كيانها ألا وهو فقد التناسب بشكل متزايد إيجاباً أو سلباً بين عدد مواطني الدولة من ناحية وبين طاقة الدولة وقدرتها من ناحية أخري علي مواجهة هذا الخلل وقد يتحقق فقط هذا التناسب في صورتين هما علي طرفي نقيض: الأولي: تتمثل في تضخم عدد السكان بحيث تعجز الدولة عن سد ضرورات حياتهم الأساسية وكذلك عدم قدرة إقليم الدولة علي احتوائهم، أما الصورة الثانية والعكسية فتتمثل في تناقص عدد مواطني الدولة بحيث لا يتوافر لها القوة البشرية اللازمة للقيام بالمهام التي يتطلبها الحفاظ علي كيانها.
ومن المشاهد أن العديد من الدول الأوروبية تعاني منذ القرن الماضي من تناقص تدريجي في عدد مواطنيها وذلك نتيجة لعدم إقبال المواطنات علي الإنجاب سواء لانهماكهن في الحياة العملية مما قد لا يسمح لهن بتكوين أسرة أو لحرصهن علي الحفاظ برشاقة أجسادهن. وقد أثار ذلك مخاوف المؤسسات السياسية والاجتماعية في الدول الأوروبية التي بدأت تعاني من انقراض شعوبها.
وقد أتيح لي في هذا الصدد المشاركة في ندوات بأكاديمية القانون الدولي لمناقشة ما إذا كان حق المرأة علي جسدها يبيح لها كامل الحرية في الاختيار بين الإنجاب أو عدم الإنجاب بغض النظر عن أي اعتبار للصالح العام ولمتطلبات الدولة. وقد طالبت في هذه الندوات بمناقشة الوجه الآخر لهذا التساؤل الذي يخصنا بالذات في مصر ألا وهو مدي حق المرأة والأسرة في إنجاب ما يطيب لها من مواليد دون الأخذ في الاعتبار بضرورة حماية المجتمع من خطر الانفجار السكاني الذي من شأنه القضاء علي الأخضر واليابس علي المدي الطويل.
ولم تنجح الدراسات الدولية في حسم هذا الإشكال في أي من الصورتين: ففيما يتعلق بالإشكال الخاص بانقراض السكان في دول أوروبية لم تجد هذه الدول حلاً سوي فتح أبوابها للمهاجرين من دول أخري مما قد يؤدي إليه ذلك من تحوير جذري للبنية الاجتماعية ولثقافة الدولة وذلك تلبية لتعويض النقص السكاني في الموارد البشرية، وفيما يتعلق بالصورة الأخري المتعلقة بكيفية مواجهة الخطر الداهم الذي يشكله الانفجار السكاني في بعض الدول النامية فلم يلق أيضاً أي حل جذري لمواجهتها.
ولم تجد كافة المؤسسات القانونية والسياسية إجابة حاسمة علي السؤال الجوهري ألا وهو هل حق الانسان علي جسده هو حق مطلق لا يمكن أن يرد عليه أي قيد أم أنه كغيره من الحقوق التي يرد عليها القيد العام بوجوب عدم المساس بالحقوق الأساسية للآخرين وبالتالي للمجتمع بأسره.
ومن المعلوم أن القانون الدولي والمواثيق الدولية تلزم الدول باحترام ما يعرف بالحقوق اللصيقة بالإنسان التي لا يجوز المساس بها inalienable human rights، ومن بينها حق الانسان علي جسده. غير أن هذه المواثيق الدولية ذاتها قد أجازت في الوقت ذاته للدولة اتخاذ ما قد يلزم من اجراءات ضرورية تتطلبها حمايتها إذا ما تعرضت لخطر داهم ولا تخلو مثل هذه الاجراءات بالضرورة من المساس بحقوق الانسان. و»للحديث بقية»‬
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف