حسين القاضى
كلمة حول كتاب: «العلمانية وهموم المجتمع»
دُعيت للمشاركة فى ندوة تناقش كتاب: «العلمانية وهموم المجتمع المدنى»، بدار ابن رشد، أدارها الكاتب الكبير الأستاذ «أشرف راضى»، وكان متميزاً فى إدارته، آية تميزه إتاحة الفرصة كاملة لمناقشة الكاتب، وتركيزه على فكرة «التراكمية» فى التعامل مع المناهج العلمية، وأما مؤلف الكتاب فهو الأستاذ أشرف البولاقى، وهو شاعر وأديب وكاتب، له جولات لسانية وعلمية تدل على تميزه اللغوى، وفصاحته الجذابة، فضلاً عن سماته الشخصية من أدب جم، وإنصات مميز لمنتقديه، وأخلاق صعيدية تجعله سهلاً ليناً غير فظ ولا غليظ، ومن أخلاقه أنه رضى بأن أناقشه على صفحات جريدة «الوطن».
الكتاب مكون من 175 ورقة، ومقال واحد غير كافٍ لمناقشته، ولكنها جذاذات سريعة، تبين بعض مواضع الخلل -حسب ما أراه، وعلى رأسها مواضع عامة منه أنه يتعامل مع أفكار الأشخاص على أنها هى العلم، وتلك ظاهرة يتسم بها معظم العلمانيين، أيضاً فى بحثه عن تاريخ الأفكار فإن مصدره كلام المفكرين فقط، تاركاً المجال الاجتماعى الذى ينشط فيه الفكر.
الأمر الآخر أنه تناول مسألة تحريف القرآن متسائلاً: هل يمكن أن يكون القرآن محرفاً؟ وانتهى إلى أن التحريف يطال القرآن فى المعنى من حيث إهدار السياقات القرآنية، وتجاهل المقاصد الإلهية.. إلخ، لكنه ذكر مصطلح «التحريف» فى غير ذى موضع على إطلاقه ودون تقييد، وهذا فيه لبس لا ينبغى أن يقع فيه، فالحديث الشريف يشير إلى تحريف القرآن: «يحمل هذا العلم من أمتى عدول ينفون عنه تحريف المبطلين.. إلخ»، لكن السياق هنا واضح أن المبطل هو من حرَّف، وأن اللفظ القرآنى فى ذاته محفوظ من التحريف.
النقطة الأخرى أن تحدث عن اللغة العربية، داعياً إلى إضافة بعض القواعد مثل عودة الضمير على ما بعده، وهو يفعل ذلك دون سابق تراكم علمى، فمثلاً فى عبارة: «بعد الحصول على جائزته صرح الكاتب..»، فالضمير هنا راجع للكاتب وهو متأخر، لكنى أسأله: ما الضرورة التى تقتضى دعوتك إلى وضع قاعدة تقول بعود الضمير على المتأخر، واللغة العربية -كما تعلم- لها وضع مستقر من خلال النص القرآنى الحكيم، والمشرع إنما يجدد الأحكام الفقهية حين يكون هناك تعارض بين الحكم والواقع، مثل التعارض بين الموجود فى بعض كتب التراث من مسألة التضييق على المسيحيين، وبين أن التضييق عليهم فتنة وعداوة؟ فما المشقة فى المضى على كلام العلماء فى مسألة الضمير، وقد أجازوا أصلاً مسألة عود الضمير على متأخر (على ما بعده) لفظاً ورتبة بشروطه؟ ولو تطلب الأمر فسيفعله مجمع اللغة العربية، فعلينا إذاً التفرقة بين مقترحات غرضها (الهرب) من اللغة ومقترحات غرضها (الطلب).
وليس الكاتب «أول سار غرة القمر»، فقد سبقه «لويس عوض»، ورد عليه العلامة «محمود شاكر» فى معركة شهيرة، لكن المؤلف لم يشر إليها، ويهمنا فى هذا المقام الإشارة -كفائدة للقارئ- إلى كتاب الدكتورة نفوسة زكريا: (تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها فى مصر)، حيث تناولت فيه أخطاء وأخطار إلغاء قواعد النحو أو تبديلها، وهو الكتاب الذى قال عنه محمود شاكر: «لا أظننى قرأت فى هذا الدهر كتاباً ينبغى لكل عربى أن يقرأه من ألفه إلى يائه يضارع هذا الكتاب، حسبها أنها استطاعت أن تجلو للناس صورةً صحيحةً عن أكبر معركة تدور فى العالم، بلغة عربية واحدة هى الفصحى، ولو كان الأمر بيدى لأمرت أن يطبع هذا الكتاب ليكون فى يد كل شاب وشابة، وكل رجل وامرأة».