الأهرام
محمد شعير
معركةٌ تنتهى ومعركةٌ تبدأ
ليس مسموحا للمواطن العائش فى «أرض الهَوَس»أن يمارس حياته - بهدوء- وفق قناعاته، فالضجيج دوما حاكم، والكل يفرض رؤيته؛ «إذا لم تفعل مثلى تماما فأنت...»، ضع مكان النقاط ما تريد، أو الأحرى ما يريدون، فالاتهامات جاهزة، والسهام مصوّبة، وما إن تنتهى معركة حتى تبدأ معركة!.

رأيى الذى أعلنته سابقا بوضوح هو أنه من حق الرئيس عبدالفتاح السيسى الفوز بفترة رئاسية ثانية - بعد موافقة الشعب- حتى يستكمل مشروعه، داعيا مثل كثيرين غيرى من مؤيدى الرئيس إلى الاهتمام مستقبلا بمشروعات بناء الإنسان، فى التعليم والثقافة والإعلام، عبر فتح آفاق الإبداع والحريات. وبينما كانت الغالبية لا تشك فى فوز الرئيس، حتى قبل ترشحه أو ترشح غيره، إلا أن البعض أراد تصوير المسألة بأنها معركة. لم يجرؤ أحد بالطبع على قول إنها «معركة انتخابية» بين الرئيس ومرشح آخر كان حزبه قد أعلن مسبقا أصلا تأييد الرئيس، لكن تم تصويرها بأنها «معركة المشاركة»، وأنك إن لم تشارك بالتصويت فأنت تخدم أعداء الوطن وتصدّر صورة سلبية عنه للخارج. والآن، أما وقد وضعت الحرب أوزارها؛ فإن لنا - بعد أن غادَرَنا الضجيج- أن نتكلم بهدوء عما جري.

الخارج؛ الذى انصبّ الاهتمام على توجيه الرسائل إليه، لا يسعى سوى إلى مصالحه، وعندما وقف ضد رؤيتنا فى «ثورة يونيو» لم يردعه سوى ما وجَدَنا عليه فى الداخل من صلابة. إذن فالداخل بتماسكه وحيويته ووضوح رؤيته هو الأصل. ولكن كيف يأتى التماسك الداخلي؟. الإجابة ببساطة: أن نمارس السياسة بشكلها المعتاد؛ بقواعدها وإجراءاتها، بانتخاباتها ومرشحيها وناخبيها؛ السياسة كما يمارسها خلق الله.

فى السياسة الطبيعية، يكون من حق المواطن - بحريته- فى أى انتخابات أن يترشح أو ألا يترشح، وأن يعلن بوضوح أسبابه لهذا أو ذاك، ويكون من حق المواطن - بحريته- أن يصوّت أو ألا يصوّت، وأن تسعى الدولة بنفسها - من خلال نسب التصويت- إلى فك شفراته وقراءة رسائله، لتعرف لماذا صوّت هؤلاء ولم يصوّت أولئك. ولكن لدينا، مثلا، يعتبر القانون أن عدم التصويت »دون عذر« جريمة عقوبتها الغرامة، ولكن كيف يتم اكتشاف وجود «عذر» من عدمه؟. هذا يعنى ضرورة وجود تحقيق قانونى لبيان مدى ثبوت الجريمة، فهل ستحقق النيابة مع 35 مليون مواطن لم يصوتوا فى الانتخابات أم ستوقع العقوبة دون تحقيق؟!. لا أعرف.

والحق أننى لا أعرف أيضا لماذا نصّ الدستور والقانون لدينا على احتساب النتيجة فى أى انتخابات على أساس «الأصوات الصحيحة» فقط. أليست «الأصوات الباطلة» أيضا هى رأى عبر عنه أصحابها؟!. وإذا ما كانت على سبيل الخطأ فى التصويت؛ أليست بذلك تعبيرا عن درجة وعى من أدلوا بها؟!. لماذا نهمل كل هذه الأرقام وما تعكسه من مؤشرات ودلائل، وما ترسله من رسائل، بما فيها أيضا رسائل الممتنعين عن التصويت، لعلها - فى طريق الإصلاح- تفيد؟!. باختصار؛ الداخل دوما - بتماسكه ووضوح رؤيته- هو الأهم، أما الخارج، ففى كل الأحوال، لن ترضى عنك بلاده وصحافته حتى تتبع مصلحتهم!.

والآن؛ انتهت «معركة المشاركة» فى الانتخابات، وبينما كان ينبغى أن نطوى الصفحة برمتها لنستأنف العمل الجاد فى مسارنا، فوجئنا بمعركة جديدة ليست على البال!. إنها «معركة الدستور»، فالبعض أراد - مبكرا جدا- أن يستبق الكل، مزايدا على الكل، ملمحا إلى عدم كفاية مدة الثمانى سنوات فى الرئاسة على فترتين، بما يعنى ضرورة تعديل الدستور. وهو ما بدا أنه مثل «كرة الثلج» التى تكبر يوما فيوم.

هنا، أعود لأتذكر ما عرفت؛ ففى أعقاب «ثورة يناير»، كان سؤال الوقت داخل الدوائر الرسمية، التى حمت البلاد فى أحلك الفترات التاريخية، هو: «لماذا حدث ما حدث؟! وماذا أوصلنا إلى هذا؟!». وقتها كان الشعور أن «مصر بتضيع»، ولم يسمح أحد طبعا بهذا، فجاءت الإجابة: «السبب هو عدم وجود آلية دستورية لتداول السلطة سلميا، مما أدى إلى الإحباط وانسداد الأفق ثم الانفجار». ولذلك كان أول الأهداف بعد استقرار الأوضاع هو «الدستور»، الذى جاء لينص بوضوح على السماح بفترتين رئاسيتين فقط، مدة كل منهما 4 سنوات. وافق الشعب، وقُضيَ الأمر.

أخيرا.. أتساءل أحيانا فى جنون؛ لماذا يفعل أولئك المتلاعبون ما يفعلون؟!. المصالح الشخصية ليست الإجابة الوحيدة، لكنهم فى ذواتهم منكسرون، منهزمون، والأنكى أنهم يتعجبون؛ كيف لا يكون الكل مثلهم؟!. ولكن لهؤلاء وأمثالهم أقول: لا تلعبوا بأحلام الشعوب، فالشعب قد يقبل بعض التعثر فى المسار، لكن ليس أسوأ من انكسار الحلم بعد انتصار.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف