لو خطر على بالك فيلم «إعدام ميت»، يكون عليك أن تقرأ الفاتحة على أرواح محمود عبدالعزيز، فريد شوقي، والسيناريست إبراهيم مسعود. ولا مانع من أن تدعو بدوام الصحة والعافية ليحيى الفخراني وليلى علوي وبوسي وعلي عبدالخالق، مخرج الفيلم، الذي قد تقودك إليه، أيضًا، تشابهات كثيرة بين أحداثه وما يحدث في الواقع!.
الفيلم ليس موضوعنا، حتى لو رأيت أن اليمنية توكل كرمان هي النسخة النسائية (مشيها النسائية) من منصور مساعد الطوبي، الشخصية الرئيسية في الفيلم: شخصية الجاسوس الإسرائيلي. وهي النسخة التي قد تراها متطابقة، لو شاهدتها وهي تلقي محاضرة في جامعة ماسيشوسيتس بولاية بوسطن الأمريكية، عنوانها «الربيع العربي المغدور به والمستمرة ثوراته والحتمي تكراره، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر». لكن ما قد يخطفك من عقد المقارنة أو التدقيق في أوجه الشبه، هو بدء عرض فيلم «محاكمة ميت»، الذي قرر فيه «مجانين» محاكمة علي عبدالله صالح، الرئيس اليمني الراحل.
هذه ليست نكتة أو مُزحة، لكنها معلومة أكدتها مصادر موالية لحزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء، تقول إن جهاز الأمن القومي والسياسي (المخابرات)، التابع لميليشيات الحوثيين، أحال ملف صالح (المرحوم) إلى النيابة المتخصصة بأمن الدولة وقضايا الإرهاب، الواقعة تحت سيطرة تلك الميليشيات، تمهيدًا لمحاكمته أو استصدار حكم بإدانته بتهمة «الخيانة العظمى»، على خلفية الانتفاضة التي دعا إليها «صالح» ضد تلك الميليشيات، في خطابه الأخير، الذي أنهى فيه الشراكة معها، فأنهت حياته واغتالته في ديسمبر الماضي.
ميليشيات الحوثيين المجانين، الموالية لإيران تريد، إذن، شرعنة قتلها لـ«صالح» بأثر رجعي، الأمر الذي لا يمكن ردُّه أو إرجاعه إلى تأثير «القات»، ذلك النبات الذي اعتاد أشقاؤنا في اليمن على مضغه ويقومون بتخزينه على أحد جانبي الفم، ليتخذ شكل «البالونة»، ومن هنا جاءت كلمة «تخزين» لوصف جلسات تناول القات، التي هي أكثر جلسة شعبية في اليمن. وسبق أن زعم تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية، BBC، أن تلك الجلسات ساهمت في زيادة الوعي السياسي لدى اليمنيين. مع أن منظمة الصحة العالمية أدرجت القات سنة ١٩٧٣ ضمن قائمة المواد المخدرة، بعد أبحاث أجرتها المنظمة استمرت ست سنوات.
الكوكايين، قد يكون هو السبب، ولإيران وعملائها نشاط بارز في تجارته. إذ سبق أن كشفت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية، في تقرير نشرته من ثلاثة أجزاء، ديسمبر الماضي، أن إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، أوقفت مشروعًا لإدارة مكافحة المخدرات، تحت اسم «مشروع كساندرا»، كان هدفه ملاحقة أنشطة إيران وأذرعها، خوفًا من أن يؤثر ذلك المشروع في الاتفاق مع طهران حول برنامجها النووي. ونقلت المجلة عن ديفيد آشر، خبير التمويل غير القانوني في «البنتاجون»، الذي شارك في المشروع، أن إدارة أوباما «مزّقت تلك التحقيقات التي كانت مدعومة بدلائل». وكان بين العناصر التي شملتها التحقيقات شخص ملقّب بـ«الشبح»، قالت مصادر مطلعة على القضية لـ«مجلة» إنه أحد أكبر مهربي الكوكايين في العالم.
قد يساعد تأثير الكوكايين، أيضًا، في فهم حالة «النعجة» اليمنية توكل كرمان، التي دافعت، من الولايات المتحدة، مجددًا، عن إرهاب الإخوان وتمنت الخراب، بكراهية عمياء، لكل الدول التي تعاديها الجماعة. وقبلها فعلت الشيء نفسه خلال مشاركتها في منتدى «ووريك» الاقتصادي في لندن، وفيه وجّهت انتقادات حادة لقوات التحالف التي كانت تعلن تأييدها لها، وتغير موقفها بعد ٥ يونيو الماضي، أي بعد إعلان الدول الداعية لمكافحة الإرهاب مقاطعتها لإمارة قطر. ووصل الأمر حد وصفها لـ«الحوثيين»، بأنهم «شركاء ثورة فبراير الشبابية» وطالبت الرئيس عبدربه منصور «هادي» بالتحاور معهم واحتوائهم. بالضبط كما يفعل أمثالها في مصر بشأن ميليشيات الإخوان.
الصورة قد تكتمل، وتأثير الكوكايين قد يتضح، لو عرفت أن هذه «النعجة»، كانت هربت من اليمن بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وأنها تعيش الآن متنقلة بين بريطانيا، الولايات المتحدة، قطر، وتركيا، وتدير ــ من الأخيرة ــ قناة «بلقيس» الممولة قطريًا وتركيًا وربما إسرائيليًا. كما تمتلك تلك النعجة استثمارات عديدة في قطر. وتشير تقديرات إلى تلقيها ١٢ مليونًا، إلى الآن مقابل الهجوم على الدول العربية، والتعبير في تغريداتها ومنشوراتها عن سياسات العائلة الضالة التي تحكمها بالوكالة. ومع المعتوه التونسي منصف المرزوقي، والمرتزق أيمن نور شاركت في تأسيس كيان وهمي تحت اسم «المجلس العربي للدفاع عن الثورات». كما سبق أن لجأ إليها عدد من الإرهابيين أو «المركوبين» العاملين في قناة «الشرق»، بعد احتيال أيمن نور عليهم وامتناعه عن دفع رواتبهم.
فاتني في البداية أن أقرأ معك الفاتحة على روح الراحل إبراهيم الشامي، الذي لعب دور الشيخ مساعد الطوبي، والد الجاسوس في فيلم «إعدام ميت»، الذي أصر على أن يغتسل من عاره وقتله بيديه. وهو الدور الذي أعتقد أن الموت حال دون أن يلعبه عبدالسلام كرمان، والد النعجة اليمنية، في فيلم «محاكمة ميت» أو في الواقع. وكان الرجل عضوًا في مجلس الشورى اليمني، واعتذر أمام المجلس عما يبدر عن ابنته من «قلة أدب».
..وتبقى الإشارة إلى أن عشرات وربما مئات، في طول العالم العربي وعرضه، يلعبون الآن في الواقع، الدور الذي لعبه يحيى الفخراني، في الفيلم، لكنهم يحملون جنسيات عربية، بدلًا من جنسيات الدول التي تستعملهم: دور «أبوجودة»، رجل المخابرات الإسرائيلية. وهؤلاء يحركون آلاف العملاء أو البلهاء، ليس صعبًا أن تشم روائحهم الكريهة، داخل مصر وخارجها.