الأخبار
عبد القادر شهيب
ناصر ٦٨
شيء من الامل

قبل نحو نصف قرن مضي، وتحديدا في مساء يوم ٢١ فبراير عام ١٩٦٨ انعقد مجلس الوزراء برئاسة جمال عبد الناصر. وفي هذا الاجتماع قدم وزير الداخلية تقريرا عن المظاهرات التي اندلعت بين عمال حلوان وطلبة الجامعه احتجاجا علي الأحكام المخففة التي صدرت بحق قادة سلاح الطيران إبان هزيمة يونيو ٦٧.. وفي هذا التقرير شرح الوزير كيف تمكنت الشرطة من فض المظاهرات بسلام دون أن تطلق رصاصة واحدة، مشيدا بأنه لأول مرة في تاريخنا تقع الإصابات بين رجال الشرطة وليس المتظاهرين.. غير أن هذا الكلام استفز زميله وزير الثقافة وقتها ثروت عكاشة فطلب الكلمة وحكي أنه علم أن سعد الدين وهبة رئيس الشركة القومية للتوزيع التي كانت تتبع وزارة الثقافة وقتها أصيب بطلق ناري وهو يطل علي مظاهرات الطلبة من نافذة مكتبه بشارع رمسيس، وأنه زاره في مستشفي الهلال الذي نقل إليه، وهناك التقي بعدد من الطلبة الغاضبين الذين كانوا برفقة زملاء مصابين لهم حصل الوزير علي كشف بأسمائهم من إدارة المستشفي قدمه للرئيس عبد الناصر ليؤكد صحة ما يقال !.. وبالطبع لم يجد زميله وزير الداخلية غير الصمت ليرد به !
ولعل ما حدث في فبراير ٦٨ كان أحد الأسباب التي عجلت بإصدار ناصر بيان ٣٠ مارس الذي استهدف تحقيق تغيير سياسي في البلاد بإنشاء دولة المؤسسات والتخلص من مراكز القوي والنفوذ التي كشفت عن خطورتها وقائع هزيمة يونيو.. فلقد تبين لناصر أن الهزيمة لم يكن سببها عسكريا فقط، وإنما سياسي أيضا.. وصارح بذلك وزراء حكومته التي شكلها وترأسها بعد يونيو ٦٧.. وقال بوضوح كما سجلت مضابط اجتماعات مجلس الوزراء : (لقد تبينت أن فشلنا راجع إلي أننا مجتمع مغلق.. وأري أنه لابد من وجود معارضة منظمة للحكومة.. لابد من تأمين هذا البلد بعد أن تحولت الدولة إلي إمارات.. وأمامنا فرصة للإصلاح.. وأقول وداعا لنظام الشلل والنظام المقفول، وآن لنا أن ننشئ نظاما كل إنسان فيه من الكبير إلي الصغير يخشي المحاسبة).
وهكذا تحمس ناصر وقتها لإحداث تغيير سياسي شامل في البلاد.. ومن هنا أصدر بيان ٣٠ مارس الذي يحدد ملامح وسبل هذا التغيير.. لكن الأمر اقتصر وقتها علي مجرد إعادة تشكيل الاتحاد الاشتراكي، وهو الحزب السياسي الوحيد، بالانتخاب، ولم يتسع ليشمل ما كان يطمح فيه ناصر من تغيير سياسي.
وثمة أكثر من تفسير لذلك.. فهناك من رأي أن ناصر كان يشغله أساسا بعد هزيمة يونيو إعادة بناء الجيش، وهو ما خصص له جل وقته وجهده، للإعداد للحرب واسترداد الأرض التي احتلت والكرامة التي ضاعت.. وهناك أيضا من يري أن ناصر أرجأ عملية التغيير السياسي لما بعد الحرب وتحقيق النصر فيها، حيث سيكون الأمر أسهب وأيسر.. وأيا كان السبب هذا أو ذاك أو غيرهما فإن القدر لم يمهل عبد الناصر طويلا لتحقيق ما كان يبغيه من إصلاح سياسي لو كان حدث لتغير تاريخ مصر.. لكن يبقي أن ناصر ٦٨.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف