الأهرام
محمد ابو الفضل
الحبل يلتف حول رقبة الإخوان فى ليبيا
مشروعات التسوية التى تقدمت بها دول عديدة، كانت تصطدم دائما بالموقف من الجماعات الإسلامية. هناك من يرى ضرورة استيعابها فى العملية السياسية. ومن يعتقد أنها إحدى نكبات ليبيا والواجب لفظها تماما.

الواقع أثبت أن هؤلاء وداعميهم، من دول غربية وعربية وجماعة الإخوان، ليست لديهم رغبة حقيقية فى الحل، وإن أعلنوا تأييده فى العلن يعملون على تخريبه فى الخفاء. وهو ما يفسر جانبا من تعثر العملية السياسية التى تشارك فيها قوى إقليمية.

التيار الإسلامى فى ليبيا، حاول الاستفادة من التجارب التى مر بها أقرانه فى دول مختلفة، ويسعى لتوسيع الدائرة التى لا تزال لديها قناعة أنهم يمكن أن يكونوا جزءا من التسوية، بعد أن أصبحوا مصدرا رئيسيا لاستمرار الأزمة. العمل على تفشيل الحلول المطروحة، من أبرز أهداف هؤلاء، طالما لم تحقق طموحاتهم وأحلامهم. فى ليبيا قطعت التسوية شوطا إيجابيا بالتوازى مع التقدم الذى أحرزه الجيش الوطنى الليبي. وبدت الفرصة مواتية للوصول إلى الانتخابات التى دعا لها غسان سلامة المبعوث الأممى إلى ليبيا.

إجراء الانتخابات فى الأجواء التى تقهقرت فيها الميليشيات الإسلامية، وتقدمت فيها القوى التقليدية، السياسية والاجتماعية، والتطورات الجيدة على مستوى جمع شتات المؤسسة العسكرية، يعنى خروج تنظيم الإخوان فى ليبيا خالى الوفاض، بعد أن كان مهيمنا عقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي، لأنه دخل العاصمة طرابلس وأنشأ ميليشياته الخاصة. الخطة التى اتبعتها الجماعة وحلفاؤها، تركيا وقطر وبعض القوى الغربية، قامت على ضرورة وقف معادلة صعود القوى الوطنية قبل حلول موعد الانتخابات المنتظرة، لأنها تحمل ملامح سلبية لهم، وتوقف الخطوات التى اشتغلوا عليها طوال السنوات السبع الماضية، وأثبتت رفض الشعب لهم لأنه عرف ألاعيبهم الدنيئة. عمليات القتل وتصفية الحسابات التى تزايدت فى العاصمة طرابلس، أحد مظاهر هذا السيناريو. التصدى لقوات الجيش الوطنى بقيادة المشير خليفة حفتر ومنع تقدمه نحو الجنوب وتصفية المتطرفين، فصل آخر مهم. إشارات الليونة والغزل والمناورة التى صدرت من قبل قيادات إخوانية حيال قوى ليبية كانت على خصام معهم، بند ثالث فى الخطة.

خفوت صوت الإخوان على الساحة السياسية خلال الأشهر الماضية، كان نوعا من التحضير لخلطة قد تعيدهم للمشهد. وتحقق رغبة بعض القوى لتعود الجماعة رقما فى المعادلة الليبية.

البداية التى تعكس هذه المسألة، جاءت الأحد الماضي، عندما تم انتخاب الإخوانى خالد المشرى القيادى فى حزب العدالة والبناء، رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، بعد نجاحه فى هزيمة عبدالرحمن السويحلى الرئيس السابق للمجلس. المجلس الذى يحتل طابقا فى فندق المهارى بطرابلس مهمته استشارية، وانتهت صلاحيته رسميا، وبإمكان أى فصيل مسلح إلقاء القبض على أعضائه بسهولة. دوره ينحصر فى إبداء الرأى لحكومة الوفاق الوطنى حول مشروعات القوانين والقرارات قبل إحالتها لمجلس النواب. الدور الرئيسى الذى يريد المجلس أن يقوم به الآن، تعديل الاتفاق السياسي. وهو يمثل المحور الأساسى فى خطة غسان سلامة لإنهاء الأزمة، التى توصلت إلى تفاهم بشأن تقليص أعضاء المجلس من تسعة إلى ثلاثة، وفصل رئاسة المجلس عن رئاسة الحكومة. الصدام ظهر فى آلية اختيار أعضاء المجلس الرئاسى والحكومة. مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح (فى طبرق) تمسك باختيار أعضاء السلطة التنفيذية، وهو ما رفضه مجلس الدولة الذى يريد أن يتضخم ويتجاوز دوره الاستشاري، بناء على نصائح قطر التى تسعى لتجعل منه جسما سياسيا فاعلا. لكن اللعبة انكشفت تفاصيلها وباتت معروفة. المشكلة السابقة، نقطة فى بحر مليء بالأمواج تعرقل حل الأزمة الليبية. وحالت، ضمن عوامل أخري، دون التوصل لتسوية سياسية. وصعود خالد عمار على المشرى الذى يتلقى دعما ماليا موثقا من الدوحة منذ فترة، يوحى بأن الإخوان عادوا ليمسكوا بزمام الأمور. بينما الحقيقة أنه سيكون بداية إعلان نهايتهم فى ليبيا. رئيس مجلس الدولة الجديد لا يملك إمكانات لإدارة الأزمة وسوف يتعرض لمشكلات بالجملة، لاسيما أن الخلاف بين فصائل الجماعة الضالة ظهر بين الثعالب والسعى الرقيق فى اختيار المشرى الذى يرى نفسه أهم من محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء.

القضاء على الإخوان فى ليبيا مسألة وقت، بعد قطع رأس الأفعى فى مصر. والأزمات التى تلاحق الجماعة فى تونس، وعدم قدرة تركيا على الصمود، وحصار قطر. وتقدم تحالف مصر والسعودية والإمارات والبحرين فى المنطقة، والدعم الذى يلقاه من ادارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ودلالات التغييرات الأخيرة فى إدارته. الفريق المؤيد للإخوان يعتقد أن عملية صعود المشرى حققت هدفا. لكنه لا يدرى أنه سوف يتلقى مجموعة كبيرة من الأهداف، تفضح الجماعة ومن أرادوا لها العودة مرة أخري.

القوى المنتمية لنظام العقيد القذافى يشتد عودها. والشعب ازداد بغضه للإخوان والمنهج الذى تتبعه الميليشيات أصبح مكشوفا. انحدار المشرى من منطقة الزاوية وكراهيته المعلنة للزنتان تعنى زيادة حجم المشكلات، وسيواجه أزمات لن تمكنه قدراته المتواضعة على حلها.

بالتالى وقف التقدم الذى جرى إحرازه على الصعيد السياسي، ومحاولة تهيئة الظروف للحديث عن حل وفقا لتوازنات تكون فيها جماعة الإخوان عنصرا محوريا، وبالتبعية فتح الباب للحديث عن هضم الميليشيات المنضوية تحت لوائها ضمن قوام الجيش الوطني، يعنى استمرار الأزمة لأجل غير مسمي. من خططوا وفتحوا النوافذ أمام هذا السيناريو، تجاهلوا تأثيرات القوى الأخري، واستعدادها لوقف الحلول التى تتعارض مع الرغبات الوطنية، بل تمتلك قدرة على إرباك حسابات الدوائر التى تسعى كى تتخذ من صعود المشرى رمزا لرسم خطوط جديدة للتسوية المطلوبة، بكل ما تحمله من معان قد تتخطى الحدود الليبية. الوصول إلى هذه الصيغة وتعميمها، يحظى بتأييد قوى دافعت عن الإخوان كجماعة سياسية، وتغاضت عن الإرهاب الذى قامت به، لكنه يثير حفيظة قوى أكثر عددا لديها من المعلومات والوثائق ما يثبت أن الجماعة ارتكبت، ومن وقفوا معها فى السر والعلن، جرائم فى ليبيا وغيرها تجعل عملية استيعابها عصية على القبول.

الانتصار المعنوى الذى يحمله فوز خالد المشري، يسلط الضوء على الخيط الذى يربط جماعة الإخوان بحكومة الوفاق الوطني، ويكشف زيف كلمات الغزل السياسى التى صدرت منها باتجاه خليفة حفتر وعقيلة صالح، وهما ليسا على استعداد لتقبل الفخ السياسي؟

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف