إنها مصر الجبال والمغارات، وقرى الدم والنار. من حين إلى آخر تطل علينا واحدة من الحوادث والأحداث التى تضع مصر التى لا نعرفها فى دائرة الضوء. لعلك تذكر واقعة اقتحام جزيرة النخيلة التى تحولت إلى دولة يحكمها «عزت حنفى». أمس الأول وقعت حادثة شبيهة، حين توجّهت قوة أمنية كبرى لمطاردة مطلوبين يختبئون بالجبال الوعرة فى قريتى حمرة دوم وأبوحزام بمركز نجع حمادى شمال محافظة قنا. الزحف الأمنى قُوبل بمقاومة عاتية من جانب المجرمين، مما أدى إلى استشهاد ضابط برتبة نقيب وأصيب ضابط آخر ومجند، وكانت النتيجة انسحاب القوات الأمنية، خشية سقوط المزيد من الشهداء.
المشهد كما تصفه العديد من التقارير الصحفية يحمل مجموعة من المؤشرات على مصر أخرى غير التى نعرفها، وهى مصر تتوسّع وتتمدّد بمرور الوقت بشكل يُنذر بالخطر. فما هو مختبئ فى رحم التشكيلات العصابية الإجرامية يمكن أن تجد مقابلاً له داخل التنظيمات الإرهابية، وكذلك فى بعض التركيبات البشرية الأخرى التى تجد فى السلاح وسيلة لحل المشكلات والسيطرة على الأوضاع وتحقيق الأهداف، بعيداً عن القانون. المؤشر الأول الواضح فى «واقعة قنا» يتعلق بوصول معلومات إلى المجرمين المتحصّنين بالجبل قبل تحرّك قوات الأمن إليهم. التقارير الصحفية أجمعت على أن الشرطة فوجئت بانتشار الخارجين عن القانون فوق الجبال وفى وضع استعداد كامل، وبدأوا فى إطلاق الرصاص على الضباط والجنود بمجرد اقترابهم من أول نقطة فى الجبال. ماذا يعنى ذلك؟ إنه يعنى أن معلومات وصلت إلى المجرمين عن توقيت تحرك القوات، وحجمها، وربما مستوى تسليحها أيضاً. هذا الأمر أصبح متكرّراً فى الكثير من المواجهات التى تخوضها الشرطة مع الجماعات الإرهابية أو التشكيلات الإجرامية. زمان كنا نعرف أن هناك مرشدين للشرطة على المجرمين، اليوم نجد وضعاً معكوساً!.
المؤشر الثانى يتعلّق بنوع الأسلحة التى استخدمها التشكيل العصابى. تشير التقارير إلى ظهور مدافع جرينوف وأسلحة آلية متطورة فى يد المجرمين، تمكنوا بواسطتها من وقف زحف الشرطة نحوهم. الأدهى من ذلك ما أشار إليه تقرير نشره موقع «التحرير» تحدث عن أن أحد المطلوبين خرج ممسكاً بسلاح مضاد للطائرات ليُهدد قوات الأمن بإطلاق الذخيرة عليهم إذا لم تنسحب!. هل وصل الأمر إلى «مضادات الطائرات»؟!. نحن أمام مستوى خطير من التسليح، يطرح سؤالاً حول الكيفية والأسباب التى أدت إلى ظهور أسلحة بهذا المستوى بين تشكيلات إجرامية. ويطرح سؤالاً آخر عن حجم ونوع الأسلحة التى يمكن أن تتوافر -بالمقابل- مع الإرهابيين.
المؤشر الثالث يتعلق بمسألة التدريب. فمن المعلوم بالضرورة أن استخدام هذه النوعيات الخطيرة من الأسلحة يحتاج إلى تدريب. ونجاح التشكيل العصابى فى صد زحف الشرطة نحوهم يدل على أنهم يحسنون استخدامها، مما يعنى أن المجرمين تلقوا تدريباً على أعلى مستوى، لا يعرف أحد أين تم.. ولا الأفراد أو الجهات المسئولة عنه؟ فى ظنى أننا أمام مشهد خطير يستحق وقفة تأمل من كل من الشعب والمسئولين عن الأمن.