الدستور
ماجد حبته
التنمية مستمرة.. ولكن!
نصحنا الحكماء بعدم البكاء على اللبن المسكوب، ومع ذلك لا يزال هناك من يصرون على البكاء على سوريا التي راحت وراح الأمل في عودتها. وعليه لم أشغل بالى بالصراع الدائر الآن حول تقسيم «الأطلال»، وما صاحبه من تهديدات بمزيد من الخراب. أما خبر يوم الأربعاء الأهم، في تصوري، فهو موافقة لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، بشكل نهائي، على مشروع قانون إنشاء «الهيئة العليا لتنمية جنوب مصر والمناطق الحدودية» المقدم من الحكومة.

حسنًا فعلت اللجنة، لجنة الإدارة المحلية، بتعديلها اسم الهيئة، ليكون «الهيئة العليا لتنمية جنوب مصر والمناطق الحدودية»، بدلًا من الاسم الذي اقترحته الحكومة «الهيئة العليا لتنمية جنوب صعيد مصر» وكذا الاسم الذي اقترحه بعض النواب «الهيئة العليا لتنمية صعيد مصر». إذ إن الاسم النهائي هو الترجمة الصحيحة للمادة ٢٣٦ من الدستور التي نصت على أن تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها في مشروعات التنمية وفي أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور.

بهذا الشكل، تكون أربع سنوات قد ضاعت، لكن أن تستيقظ من النوم متأخرًا أفضل كثيرًا من أن تظل نائمًا إلى أن يفوتك القطار أو تدهسك عجلاته. وما يطمئن هو أن مجلس إدارة الهيئة، بنص المادة السادسة، سيضم ممثلين لوزارات الدفاع، الإنتاج الحربي، التنمية المحلية، المالية، التخطيط، الموارد المائية والري، وثلاثة من ذوي الخبرة في مجالات عمل الهيئة. وما يطمئن هنا هو أن تمثيل وزارة الدفاع، سيمكن الهيئة من الاستفادة من إمكانيات «الهيئة الهندسية للقوات المسلحة» ومعروف أن السنوات الست عند كامل (اللواء كامل الوزير) تساوي ستين. وأتمنى ألا تسأل عن سبب غياب وزارات الثقافة، الزراعة والصحة، لأن الإجابة في بطن الزير. ولاحظ أن الدستور نص على مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي.

الهيئة، بنص المادة الأولى، «خدمية». وأوضحت المادة الثانية أنها تهدف إلى وضع خطة للشروع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية الشاملة لمناطق جنوب مصر والمناطق الحدودية، على النحو المبين بتقسيم جمهورية مصر العربية إلى أقاليم اقتصادية وكفالة تنفيذها، وذلك بمشاركة أهلها في مشروعات التنمية وفي أولوية الاستفادة منها، وبمراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي، في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وبالتنسيق مع الوزارات والمحافظات والجهات المعنية. ورائع جدًا، أن تكون الأولوية في مباشرة أنشطة الهيئة، بنص المادة الثالثة، للمشروعات التي تحقق عائدًا تنمويًا، ونسب مرتفعة من التشغيل، مع العمل على جذب الاستثمارات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة والعوائد الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المستهدفة.

السؤال الأهم، سؤال التمويل أجابت المادة الرابعة في ست نقاط، وفيها أن موارد الهيئة ستكون من الاعتمادات التي تخصصها الدولة.. الهبات والمنح.. القروض التي يوافق عليها مجلس إدارة الهيئة.. عائد الخدمات التي تؤديها الهيئة للغير.. عائد مشروعات واستثمارات أموال الهيئة، بالإضافة إلى أي موارد أخرى يوافق عليها مجلس إدارة الهيئة وتتفق وطبيعة الهيئة. وفور إقرار القانون ستدخل خزينة الهيئة قرض الـ٥٠٠ مليون دولار من البنك الدولي الذي كان موجهًا لسوهاج وقنا، لإقامة مشروعات متوسطة وطويلة الأجل.

وما دام الشيء بالشيء يُذكر، نشير إلى أن نوابًا في البرلمان سبق أن أشاعوا أن الـ٥٠٠ مليون دولار ضاعت وترجمت صحف ومواقع إلكترونية كوابيسهم (أو هلاوسهم) إلى عناوين من عينة «كارثة كبرى.. ضياع ١٠ مليارات جنيه قيمة قرض البنك الدولي». وهناك صحف ومواقع أخرى قامت بالتجويد وزعمت أن المليارات العشرة «اختفت»، مع أن الكلام كان عن مخاوف من أن يسحب البنك الدولي قيمة القرض، الذي لم تكن مصر قد حصلت إلا على الشريحة الأولى منه (١٢٥ مليون دولار)، وقت كوابيس أو هلاوس ضياع أو اختفاء الـ٥٠٠ مليون دولار كلها. ونشير بالمرة إلى أن البنك الدولي يعطي فترة سماح لمدة سنة للبدء في توظيف المبالغ المقترضة في التنمية، ويمكن أن تمتد إلى خمس سنوات.

يثير الدهشة وربما السخرية أن تجد في القانون ما يقطع بأن الحكومة تدرك، قبل غيرها أو مع غيرها أن «النظم والقواعد الحكومية» تعرقل تحقيق الأهداف أو إنجاز المشروعات. ولا أعتقد أنك ستخرج باستنتاج غير ذلك حين تقرأ المادة الحادية عشرة التي أعفت الهيئة «في سبيل تحقيق أهدافها» من التقيد بـ« بالنظم والقواعد الحكومية»، وأن تضع لنفسها لوائح داخلية تنظم تأسيس شركات مساهمة بمفردها أو مع شركاء آخرين أو بالمشاركة في شركات قائمة، كما يكون لها أن تعهد إلى الشركات أو جهات الخبرة المختصة بإقامة أو تنفيذ المشروعات التابعة لها. والوضع كذلك، يكون السؤال: ألم يكن الأفضل أن تعيد الحكومة النظر في نظمها وقواعدها بدلًا من أن تعفي الهيئة أو هيئات أخرى من التقيد بها؟!.

..وتبقى الإشارة إلى أن السنوات الأربع، التي ضاعت سيضاف إليها ثلاثة شهور أخرى، منحتها المادة السادسة عشر لرئيس مجلس الوزراء لكي يصدر خلالها اللائحة التنفيذية، وسيبدأ احتساب الشهور الثلاثة من تاريخ العمل بالقانون، أي بعد موافقة الجلسة العامة لمجلس النواب، ثم تصديق الرئيس، ونشره في الجريدة الرسمية. ومع ذلك، فإن القانون يؤكد جدية الدولة في التنمية، وفي الاستفادة من كل الإمكانيات والثروات الطبيعية والبشرية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف