الأهرام
نبيل عمر
مصريون ولكن
للدكتور ملاك جرجس كتاب صدر منذ أكثر من أربعين سنة، تنبغى إعادة طبعه وقراءته قراءة متعمقة، والدكتور ملاك كان أستاذا للعلوم السلوكية وسيكولوجية الإدارة، ونحتاج إلى كتابه دليلا لاغنى عنه، فهو طرق بابا فى غاية الأهمية هو «سيكولوجية الشخصية المصرية ومعوقات التنمية»، وإذا كنا جادين فعلا فى شق ثغرة فى جدار التخلف حتى نتمكن من الخروج منه إلى نور الحضارة والتقدم، فعلينا أن نفهم الأسباب الأنسانية والشخصية الكامنة فينا التى تشدنا إلى القاع، فلا «نقب» على وش الدنيا مع العالم الأول، وهى غير الأسباب التاريخية والسياسية التى نعلم بعضها ونجهل بعضها.

و استهل الدكتور ملاك كتابه المهم بسؤال محير: إذا كنا عبرنا أكبر مانع مائى فى التاريخ وحطمنا خط بارليف المنيع وضحكنا على أخطر أجهزة المخابرات فكيف نفشل فى إدارة مستشفى قصر العيني؟، طبعا فشلنا يتجاوز المستشفى إلى مدارس وجامعات ومعامل وفضائيات ومؤسسات وهيئات وصحف عامة..الخ.

ويتعجب الدكتور ملاك: هل لدينا نوعان من السلوك؟، احدهما عبقرى يحقق المستحيل والآخر عبيط يعطل الإنتاج؟، ولماذا لم يتحول السلوك الفذ إلى عادة نمارسها فى كل نشاط على أرض مصر؟

فعلا: لماذا لا يتمتع المصريون مثلا بـ «سمات» الشخصية اليابانية فى حب النظام والتفانى فى أداء الواجب وحب العمل؟ فى الواقع المسافة بين الشخصيتين فى هذه الناحية كالمسافة بين الكواكب والمجرات.. أولا أن قيمة العمل تختلف تماما، فـ «الصنايعى» المصرى على سبيل المثال، إذا تيسر معه «قرشان» زائدان، لن يذهب إلى عمله فى اليوم التالى، كما أن قيمة الإتقان لا تنتشر إلا بين نسبة محدودة من القوى العاملة، وخذ عندك خطير ثالث إن الإعالة فى المجتمع المصرى من أعلى النسب فى العالم، أى أن عددا كبيرا من السكان يعيش «عالة» على عدد أقل يعملون.. وان نتوقف عن جمود نظام التعليم وتراجعه أو أمية المتعلمين.. وتعالوا مع الدكتور ملاك وهو يفسر لنا ما يفعله فينا التواكل، والقناعة كنز لا يفنى، والصبر جميل، والرضا بالمقسوم والمكتوب مع أننا لا نعلم مقدار هذا المقسوم والمكتوب حتى نرضى به، كل هذه الصفات تجعلنا صيدا سهلا لآفة «السكون والجمود» تتحكم فى تصرفاتنا، ويقول فى هذه المسألة «إن الدين كان أساسا من أسس القوة، وقد اجتمعت حوله خرافات وخزعبلات، كان ينبغى أن نتخلص منها»، «أن الدين فى الواقع دستور سماوى يصلح لجميع الأزمان والمجتمعات، أما التدين فهو سلوك يتوقف مدى تطابقه مع الدين على درجة التعليم والثقافة العامة والدينية».

وبما أننا راضون وقانعون فشئ طبيعى جدا أن نخاف من المستقبل، لأن المستقبل بيد الله ، ونفضل عليه العيش فى الماضى وحبذا لو استرجعنا الماضى الأبعد أيضا.. مع أن الله يأمرنا بوضوح بالكد والعمل.

وبالرغم من أن هذا الكتاب كما قلت مكتوب من أكثر من أربعين عاما وحذرنا من تأثير التفكير الخرافى على حياتنا، إلا أننا لم نكتف بما نعيشه من خرافات وتوغلنا مع مرور الزمن وتطور المعارف إلى قاع عالم الخرافات، إلى درجة أن بعض الفضائيات فتحت لها شاشاتها..

وشئ حتمى فى عالم الخرافة ألا يعترف بقيمة الوقت أو لا تدرك أهميته..كم منا يحترم مواعيده؟، مع أن الوقت ليس من ذهب فقط وإنما هو «الحضارة»، فالحضارات تبنى فى وقت ، وإذا ضاع هذا الوقت من يدى لا يبقى إلا الفرغ والملل والقعدة والتخلف.

نسيت أن أقول لكم إن الدكتور ملاك حسب أن الوقت الضائع فى قطاع النقل والمواصلات والركاب فى السبعينيات لا يقل عن خمسين ألف ساعة يوميا، وفى وزارة الرى ٣٥ ألف ساعة لعدم انتظام الموظفين، وفى التعليم ٣٤ ألف ساعة، وفى إجراءات التقاضى ٤٠ ألف ساعة..وهكذا..يا ترى كم تبلغ الساعات الضائعة الآن؟

باختصار التنمية الاقتصادية يتحقق لها النجاح أو الفشل بدرجة تطور العلاقات الاجتماعية فى المجتمع!

هذه هى أهمية كتاب الدكتور ملاك جرجس، فهو دليل إلى التنمية.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف