الجمهورية
شكرى القاضى
آدي الربيع.. وآدي فريد
أعود بذاكرتي إلي الوراء نحو نصف قرن. وتحديداً في ذلك اليوم المشهود من ربيع عام 1970. عندما أعلن عن عودة الموسيقار فريد الأطرش إلي القاهرة لإحياء حفل عيد الربيع مجدداً بعد انقطاع استمر لمدة ثلاث سنوات اضطر خلالها للبقاء في بيروت بسبب حرب الأيام الستة عام 1967.. كنت انتظر ليلة الحفل علي أحر من الجمر. فكم أعشق فن فريد الأطرش. وأزعم أنه كان أحد روافد الأمل في مسيرتي الحياتية الوعرة للغاية. فقد كان صوته الرخيم المفعم بالشجن بمثابة البلسم الذي يخفف من لوعة الحب ويطفئ لهيب المشاعر لقلب تعددت دقاته..!
ومخطئ من يظن أن الإبداع ــ كله ــ حرام. فقد كان الفن بكافة أشكاله وأنواعه أحد دعائم القوة الناعمة المصرية. وأزعم أن تعلقي بفن فريد الأطرش كان يفوق الوصف. قبل أن تحدث نقلة نوعية في حياتي بمنتصف الثمانينيات عندما عرفت طريقي إلي جلسات ــ السميعة ــ لأجدني عاشقاً متيماً بأصوات عباقرة التلاوة من قراء القرآن الكريم في القرن العشرين. وفي مقدمتهم القارئ العبقري الشيخ مصطفي إسماعيل. فقد اجتمعت في صوته كل ما جاء به الزمان علي الحنجرة العربية من أنغام بفعل النغم القرآني. ففي صوته ما يغني السميعة عن عطاء عمالقة الطرب وأساطينه بين الناطقين بلغة الضاد.
في تلك الليلة المشهودة من ليالي القاهرة الزاهرة صعد فريد الأطرش إلي مسرح سينما قصر النيل. وفور إطلالته قوبل بعاصفة من التصفيق استمرت نحو ربع الساعة لم يتوقف خلالها الهتاف باسم الموسيقار العبقري وإذا به يفاجئ الجمهور بلحن كان قد أعده منذ عدة ساعات قبيل الحفل من كلمات صاحب أغنية الربيع صديقه الشاعر مأمون الشناوي.. إنها لحظات لا توصف تجسدت خلالها كل معاني الوطنية والانتماء لمصرنا الحبيبة. فقد غني الموسيقار "سنة وسنتين" بحماس منقطع النظير. وكم أبدع مأمون الشناوي في نظم كلماته:
سنة وسنتين.. سنة وسنتين.. وأنت يا قلبي تقول أنا فين
ودبت وتهت في أشواقي.. وشفت النيل وعرفت أنا فين
يا مصر يا عمري يا نور العين
آخر كلام:
لم يكد فريد الأطرش يختتم رائعته الوطنية. حتي تهيأ الجميع للاستمتاع بالربيع. وكالعادة بدأت أنامله تداعب العود بنغمات لا مثيل لها قبل أن يشدو برائعته "الربيع" كما لم يغن من قبل.. كنت وقتها رئيساً لجماعة الصحافة بمدرسة شبرا الثانوية للبنين أحرص علي متابعة ما تنشره الصحف. وفي اليوم التالي كتب نبيل عصمت في زاويته اليومية بالأخبار محتفياً بتلك الليلة الفريدة مختتماً كلمته بعبارة: "آدي فريد وآدي الربيع" رحم الله الجميع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف