تغطيتي الإخبارية للإذاعة علي مدي أكثر من ربع قرن جعلتني صديقة لكل العاملين بها من رؤساء للإذاعة ومديري الشبكات ومذيعي الهواء ومقدمي البرامج والمخرجين. وكنت أسعد بلقائي معهم وأشعر وكأنني واحدة منهم.
وفي شهر رمضان من كل عام كنت أتابع المسلسلات الإذاعية علي مختلف الشبكات وأقدم ملخصاً يومياً لأحداث كل حلقة. وقبل حلول الشهر أقوم بتصوير أبطالها مع المخرجين والطرائف التي تحدث أثناء التسجيل لأنقلها للقارئ. كما كانت "الجمهورية" تنشر الفوازير والمسابقات الإذاعية بمختلف المحطات وكان عليّ أن أحصل عليها قبل إذاعتها. ولهذا تعاملت مع الإذاعية الكبيرة الراحلة آمال فهمي أول من قدمت الفوازير مع الشاعر بيرم التونسي في عام 1955. ولما تعرفت بها واقتربت منها وجدتها إنسانة ذكية تحب عملها وتحرص علي جودته وإتقانه حتي لو كانت مدته خمس دقائق تقدم فيها فزورة. وقد كانت فوازير الشاعر الكبير صلاح جاهين أول ما نشرته لآمال التي ترددت في البداية أن تعطيني الحلقات خوفا من أن أسبقها وتنشرها الجريدة قبل أن تذيعها. ولكني وعدتها ببدء نشرها في ثاني أيام رمضان ليتمكن القارئ من متابعتها في الجريدة إذا ما فاته الاستماع إليها. ولهذا كانت لا تعطيني إلا ما سجلته لتضمن أن أفي لها بوعدي. ولكني في بعض الأيام كنت أحتاج لحلقات أكثر مقدما نظرا لظروف تقديمها مبكرا خاصة ليوم الجمعة فترفض. فأضطر إلي الذهاب للاستديو لأحضر معها تسجيل الحلقات أو إليها في بيتها لآخذها بعد تسجيلها. أو أتصل بالشاعر صلاح جاهين في بيته الذي كان في بعض الأيام لم يكن قد انتهي من كتابة الحلقات المطلوبة. فيطلب مني منحه مدة ساعة لينتهي منها ثم أرسل إليه من يأخذها منه. وبهذا كنت أواظب علي نشر الفوازير بالرغم من المعاناة والضغط العصبي خوفا من ألا تعطيني آمال باقي الفوازير. ولما توفي صلاح جاهين تولي الشاعر بخيت بيومي عام 1986 كتابه أول فوازير لآمال بعنوان "قارئة الفنجان" وكان يحرص علي ملازمته لها في الاستديو أثناء تسجيل المقدمة والحلقات لتقدمها بالطريقة التي توضح مضمون الفزورة كما كتبها. وكنت أحضر معهما التسجيل لأحصل علي نسخة بخط بخيت أو أنقلها أنا بخطي. وقد استمر بخيت يقدم الفوازير لمدة 17 سنة ثم حدث خلاف بينهما فتوقف عن كتابتها. فقدمتها آمال من تأليف الشاعر بهاء صلاح جاهين لمدة عشر سنوات. ولما مرضت توقفت منذ سنوات عن تقديمها وعن برنامجها الشهير "علي الناصية" الذي دخلت به موسوعة جينيس العالمية كأطول مدة لبرنامج إذاعي استمر ما يقرب من خمسين عاما. والذي أيضا نالت به من لبنان لقب "ملكة الكلام في الوطن العربي" في الاستفتاء الذي شاركت فيه جماهير الدول العربية. كما كان البرنامج نافذة المستمعين لعرض مشكلاتهم علي المسئولين. واللقاء مع العديد من الشخصيات الشهيرة المصرية والعربية في مختلف المجالات ونقلت فيه كافة الأحداث المهمة. كما كان سبب تعيين "منال العارف" أولي خريجي كلية الإعلام جامعة القاهرة بالإذاعة بقرار استثنائي من وزير الإعلام بعد أن رفضت الكلية تعيينها معيدة بهيئة التدريس دون سبب منطقي. فمنحتها آمال فرصة تقديم حلقة من البرنامج أثبتت فيها منال أنها محاورة جيدة وواصلت التفوق في مشوارها الإذاعية بما تقدمه من برامج متميزة بحداثة الأفكار ثم حصولها منذ سنوات علي الدكتوراة في الإعلام.. إن آمال فهمي رائدة إذاعية أحبت عملها وأجادته وأخلصت له فيما يزيد علي خمسة وستين عاما فنالت مكانة مميزة بين زملائها الإذاعيين والمستمعين. ويبقي إسهامها في الإعلام الهادف لخدمة الوطن وحل مشكلات الجمهور هو عملها الصالح الذي تنال به رضوان الله بديلا عن ابن لم تنجبه ليظل يدعو لها.