المصريون
أسامة شحادة
أرواح ودماء .. عبر وعبرات
في الأسبوع المنصرم توالت الأخبار التي أفاضت العبرات وملأت القلب همًّا على الأرواح البريئة التي أزهقت، والدماء الزكية التي أريقت، سواءً في دوما بسبب الأسلحة الكيميائية على العزّل في الملاجئ والأقبية، أو في غزة التي شهدت مقتل عشرات من مشاركي مظاهرات العودة التي أرعب اليهود سلميّتها ومدنيتها، أو في أفغانستان حيث قُصف الأطفال حفظة القرآن الكريم دون ذنب ارتكبوه أو جريمة شاركوا فيها.
وإذا كانت أمثال هذه الجرائم تحتاج في الماضي إلى أسابيع وشهور حتى تصل أخبارها للناس في أرجاء الدنيا، فإن ثورة الاتصالات اليوم جعلت ذلك يختفي ليتمّ بثّها حياً وعلى الهواء مباشرة، مما قلب المعادلة فأصبحت الأرواح المظلومة والدماء المسفوكة أقوى الأسلحة في مقاومة الظلم والعدوان والطغيان من خلال الإدانة الدولية والإنكار الصريح على المجرمين من كثير من أصحاب الضمائر الحرة، ولكن الأخطر من هذا أن هذه الأرواح البريئة والدماء الحمراء تختلط في شرايين الملايين من المسلمين لتوقظ في قلوبهم الوعي باستهدافهم بالظلم والإبادة والقتل لأنهم مسلمون فحسب.
فبينما نجد العالم يتداعى بقوة من أجل مقتل أبرياء هنا أو هناك، أو تقطع العلاقات السياسية فوراً من عدد من الدول تجاه روسيا بسبب محاولة قتل منشق روسي في لندن فإن مقتل المئات في دوما لا يزال محل بحث ونظر لكيفية الرد عند دول العالم وهيئة الأمم بعد عدة أيام من الجريمة وتهجير مئات الآلاف من موطنهم دوما!!
أما حفظة القرآن الكريم الذين تم قصفهم في حفلٍ لتكريمهم بأفغانستان فلم يجد الخبر حتى مكاناً لائقاً في نشرات الأخبار!! لكن لا يهم فقد وصلت مظلمتهم للوعي الإسلامي بأن قانون القوة هو القانون السائد وأن من يلاحق قوة القانون لن يقبض شيئاً كما هي نتيجة المفاوضات مع اليهود بعد عقود!
إن ما عاشته أمتنا من جرائم ومظالم سابقة لحقت بها من مختلف الأعداء كان لها الدور الكبير في تنبيه أفرادها لحقيقة العداء الذي يستهدفهم كأفراد وأمة، فأكسبتهم تلك الجرائم اليقظة اللازمة لتجاوز تحدياتهم كما حصل أيام الصليبيين أو التتار أو المغول أو الاحتلال الأوربي، وإذا كانت تلك الاستجابة للتحديات والعدوان تحتاج عدة عقود بسبب طبيعة المجتمع ووسائل المواصلات والاتصالات، فإن عصر العولمة قد اختصر تلك العقود لسنوات معدودة.
ومَن يراقب تسارع استجابة جماهير المسلمين مع قضاياهم وتحدياتهم من احتلال فلسطين وغزو أفغانستان وحرب البوسنة والهرسك وغزو الشيشان والربيع العربي وخاصة الثورة السورية، سيجد تعاظم الوعي الشعبي الإسلامي بحجم المؤامرة عليهم، والتي تتنوع بين غزو ثقافي وإعلامي وإبادة عسكرية وغدر سياسي من جهة، وتطور في الاستجابة الإيجابية للتحدي وإبداع في الوسائل والأدوات برغم قلة الإمكانيات والحصار والتضييق، فلقد أذهل جيشُ الإسلام في دوما العالمَ بصموده وتصديه للروس والإيرانيين وفلول بشار برغم الحصار وانعدام النصير، وأذهلهم أيضا بدهائه في المفاوضات مع ثعالب المكر الروس، الذين لم يحسموا المفاوضات إلا بالقنابل الكيميائية!!
وعلى الساحة الفلسطينية فلقد جدد الشعب الفلسطيني إبداعه بالمقاومة السلمية المدنية بعد انتفاضة 87 بمظاهرات العودة وجمعة (الكاوشوك) التي جعلت العالم بأجمعه يستنفر لوقف هذه المظاهرات التي ستقلب الموازين وتعيد القضية الفلسطينية لأصلها الحقيقي وهو المطالبة بإقرار العدل بعودة الفلسطينيين لأرضهم وزوال الاحتلال اليهودي الظالم، والتي حاول ترامب القفز عنها واعتبار حق العودة والقدس وإزالة المستوطنات اليهودية قضايا منتهية لا جدال فيها!
اكتسبت الأمة من معاناتها الحالية الوعي بخبث وخطر مسار الطائفية التي تتبناه إيران في عدوانها على الدول العربية وخبث وخطر فكر الغلو والإرهاب الذي تتبناه القاعدة وداعش، وأدركت الأمة خطورة التفتت والتشرذم الذي ذبح الثورة السورية ومن قبلها القضية الفلسطينية، وسيكون على كثير من العاملين في الساحة، وخاصة الإسلاميين، مراجعة وتجديد مسارهم قبل أن تتجاوزهم الأمة لتكلّسهم وتكرارهم أخطاءهم وعجزهم عن مجاراة التحديات وتقديم حلول ناجعة.
إن هذه الجرائم المستمرة بحق الإسلام والمسلمين لا تزيد المسلمين إلا يقظة وقوة ووعيا لأسباب النصر، وتؤكد سنة الله عز وجل الكونية أن النصر الكبير هو مجموعة من الانتصارات الصغيرة، وهو ما يحدث اليوم.
إن الظلم لا يدوم بطبعه، وإن الحق والعدل منصوران بطبعهما ولو طالت مسيرتهما، فكيف إذا ظلم الحق بذاته؟ إن المسلمين اليوم لا يُظلمون ويحارَبون إلا لأنهم يحملون رسالة الحق التي ستنقذ البشرية من مظالمها وعذاباتها، ففي حين تسعى القوى الدولية للهيمنة على الثروات والموارد لدى الدول الأخرى فإن حكم الإسلام هو الحكم الوحيد الذي لا يشرعن هذه الهيمنة لصالح الدول القوية والتي بذاتها أيضاً تحتضن نخبة محدودة تهيمن على هذه الخيرات حتى أصبحت غالبية ثروات العالم -في الحقيقة- يتحكم بها عدد محدود من الناس!!
وبرغم كل ما يلحق بالمسلمين من نكبات واعتداءات وقتل وإبادة، فإن الآلاف ينتحرون من غير المسلمين لأنهم برغم بحبوحة العيش يعانون القلق والألم بعيداً عن نور الإيمان بالله عز وجل الذي يمنح الإنسان الاطمئنان برغم كل المعاناة ويمنحه الصبر على كل المشاق.
إن الإيمان بالله عز وجل يخيف الطغاة والظالمين لأنهم يعلمون أنهم على الباطل وأن الظلم هو سبيلهم، ولكن هذا الظلم هو ما يقوي المؤمنين للحسم في النهاية والذي لن يكون بعيدا بإذن الله عز وجل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف