الجمهورية
بسيونى الحلوانى
هل فشلنا في مواجهة التطرف؟
سألني أحد الأشقاء العرب: لماذا تعاني مصر- بلد الأزهر الشريف- من التطرف الديني أكثر من بلاد عربية كثيرة لا يوجد بها هذا العدد الكبير من العلماء والدعاة وهذا العدد الضخم من المساجد وتنتشر فيها المعاهد الأزهرية من أقصاها الي أقصاها ولديها دار إفتاء هي الأكبر والأقدم في العالم العربي؟
وقبل أن أرد عليه فاجأني بسؤال آخر: ماذا قدمت المؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية في مصر لحماية عقول أطفالكم وشبابكم من التطرف؟
قلت له: مصر تعاني من التطرف أكثر من غيرها من الدول العربية لأنها مستهدفة من جماعات دينية انتشرت وتغلغلت داخل المجتمع المصري علي مدي عقود سابقة ولم تجد من يحجمها. ووجدت دعما شعبيا من بسطاء انخدعوا بشعاراتها وانساقوا خلفها حيث استغلت حاجاتهم المعيشية وسيطرت علي عقولهم عن طريق بطونهم.
أما عن المؤسسات الإسلامية وعدم فاعليتها في مواجهة التطرف فنحن نعترف في شجاعة بأن هذه مؤسساتنا الدينية دون استثناء لم تقدم حتي الآن جهودا متميزة وأفكارا خارج الصندوق تستطيع من خلالها مقاومة التطرف. وحماية عقول الصغار والكبار من أكاذيب ومزاعم المتطرفين.
اعتراف القائمين علي شئون المؤسسات الإسلامية في مصر بذلك سيساعدهم حتما علي معرفة كيفية الخروج من مأزق التطرف. والتعامل الصحيح مع مشكلة التطرف .. فالمؤسسات الدينية ومعها المؤسسات التعليمية لم تقدم "تربويا وتعليميا ودعويا" ما يحصن عقول أبنائنا ضد الأفكار المتطرفة والتي تتسرب إليهم من خلال العديد من قنوات الاتصال والتواصل وأدوات التأثير.
لا شك أن الأزهر- وهو المؤسسة الأكبر التي نعلق عليها آمالا كبيرة في مواجهة التطرف- يبذل جهودا في عدة اتجاهات لمواجهة الفكر المتطرف داخل مصر وخارجها.. لكن الأدوات التي يعتمد عليها الأزهر في حاجة الي تطوير وتحديث وخاصة العنصر البشري القادر علي الرصد والتحليل والمواجهة فالذين يتحدثون باسم الأزهر في وسائل الإعلام يفتقدون القدرة علي التأثير ولا يملكون الحجج والبراهين العلمية والعقلية التي تمكنهم من إقناع الجماهير بأنهم علي الحق وأن حججهم وبراهينهم هي الأقوي.
وحتي لا تختلط الأوراق هنا نؤكد أن الأزهر ليس الشيخ ووكيله ولا أعضاء هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وكلهم علماء أفاضل نكن لهم كل احترام وتقدير.. لكن الأزهر جيش من الوعاظ والمدرسين الذين يواجهون الناس في كل المواقع ويعدون الأجيال الجديدة .. لذلك لا بديل عن خطط وبرامج للارتقاء بالعناصر البشرية في الأزهر. وهنا يجب علي المسئولين أن يعترفوا بأن المدرسين الأزهريين ليسوا جميعا علي المستوي التربوي والفكري المطلوب ووعاظ الأزهر ليسوا كلهم نماذج واعدة كالتي نراها في مراكز الفتوي أو علي بعض المنابر.. بل إن بعض مدرسي الأزهر ووعاظه لايزالون يؤمنون بفكر الجماعات المحظورة والمصنفة في قوائم الارهاب.
لا ننتظر من الأزهر ولا من غيره من المؤسسات الدينية وعودا وتصريحات مكررة عن جهود مواجهة التطرف دون أن نجد تحركا واعيا علي الأرض لبدء ثورة توعوية حقيقية تستهدف القضاء علي بذور التطرف والارهاب التي لاتزال موجودة في التربة المصرية وتسفر عن تفريخ أجيال جديدة من المتطرفين والإرهابيين.
ننتظر من الإمام الأكبر د. أحمد الطيب أن يدعو الي اجتماعات عاجلة تضم علماء الأزهر والأوقاف والافتاء وعددا من أساتذة الجامعات المتخصصين في علوم الاجتماع والتربية والطب النفسي لبحث كيفية مواجهة الفكر المتطرف الذي لا يزال موجودا في عقول بعض المصريين من مختلف الأعمار لكي يحمل معه الي اجتماعات المجلس القومي لمواجهة الارهاب والتطرف تصورا كاملا وواضحا لرؤية المؤسسات الاسلامية لمواجهة التطرف ومحاصرة المتطرفين.
ساحة مواجهة التطرف تحتاج الي تنافس حقيقي في الجهود المخلصة لحماية عقول أبنائنا من التطرف الديني الذي يلقي بهم في مستنقع الجماعات الارهابية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف