د . محمد حسين ابو الحسن
بشار الأسد فى السعودية..!
أكتب هذه السطور والشعوب العربية توجف خوفا، على سوريا من ضربة غاشمة يقودها الرئيس الأمريكى ترامب، على خلفية الاستخدام (المزعوم) لأسلحة كيماوية من جانب بشار الأسد ضد المسلحين بدوما، فى تصعيد مفاجئ للأزمة الممتدة منذ سبع سنوات، صدام بمحفزات جديدة، يكشف عن تغير معادلات الصراع وتقاطع حسابات اللاعبين الكبار والصغار، وأن الصفقات الكبرى لصياغة مستقبل الشرق الأوسط برمته، بدأت تخرج من الغرف المغلقة إلى ساحات الجغرافيا، بهدير المدافع ورشقات الصواريخ وشلالات الدم.
الغريب أن اشتعال الوضع فى سوريا أتى قبيل عقد القمة العربية بالسعودية، وبعد أن ذكرت وسائل إعلام لبنانية مقربة من الرئيس السورى أنه قد يحضر القمة، لتحقيق مصالحة عربية، بناء على مطالب وضغوط تسع دول عربية.
لقد تحدثت التسريبات الإعلامية عن أن حضور بشار القمة العربية، كفيل بإعادة صياغة العلاقة بين سوريا والسعودية، تطوى صفحة خلافات الماضى، على أسس جديدة، لاسيما بعد تصريحات الأمير محمد بن سلمان لمجلة «تايم» الأمريكية، بأن «الأسد باقٍ فى السلطة»، فى إشارة إلى تغير موقف بلاده تجاه الأزمة السورية، وقد أحيت تلك التسريبات الآمال بجهد عربى يسهم فى إطفاء النيران، وإبعاد الضباع التركية والإيرانية والإسرائيلية أو حتى الروسية والأمريكية، عن نهش الطريدة السورية، ووضعها الأزمة على أولى خطوات الحل، لكن ذلك لم يحدث.
ولاشك أن ما يجرى بالساحة السورية منعطف خطير، يلقى بظلال سوداء على حاضر العرب جميعا ومستقبلهم، يفضح هشاشة دورهم وسلبيته، بينما تمسد إيران الفضاء السورى بمشروعها التوسعى، يناطحها الدور التركى الاستعمارى العائد بقوة لتمزيق سوريا والعراق، وبالطبع لم تتخلف إسرائيل عن التخريب، وتعمل روسيا والولايات المتحدة على توسيع نفوذهما وهيمنتهما، بغض النظر عن الكوارث المتساقطة على رءوس شعوب المنطقة، إنها بلطجة إمبريالية عارمة.
المحير فى المأساة أن العرب ارتضوا أن يكون مفتاح دمشق (قلب العروبة النابض)، بيد طهران أو أنقرة أو موسكو أو واشنطن، بدل أن يكون بأيديهم أو أيدى أهلها، وأن تقتسم جماعات العنف والتطرف بلاد الشام مناطق للنفوذ والإرهاب، ليصبح العرب أكبر داعم للبلطجة الدولية بسوريا والإقليم، ويتراجع وزنهم النسبى، حتى فى أخطر وأخص شئونهم، وصاروا نهبا لكل طامع أو مخرب.
ويعزو الدكتور مصطفى كامل السيد هذا الفشل العربى المريع إلى غياب منظمة إقليمية أو عربية فاعلة، يمكنها التوسط لحل نزاعات المنطقة وتقطع الطريق على تدخلات القوى الخارجية.. إن حدة العداء بين الدول الفاعلة بالشرق الأوسط، لا نظير له خارج الإقليم، عداء يجعل بعضها يتمنى اختفاء البعض الآخر، ويدفعها للارتماء فى أحضان أعدائها السابقين، كثمن تقبله لهزيمة أعدائها الحاليين، مثل الوضع القائم بين إيران ودول خليجية، تدفع حدة العداء الخصوم إلى البحث عن حلفاء خارجيين، وتسهل لهذه القوى الخارجية الوجود المسيطر فى الإقليم، مناصرة لطرف على حساب الآخر.
بقوة الحقائق، هزال الدور العربى فى ملفات المنطقة كارثة استراتيجية، تضرب الأمن القومى العربى فى الصميم.. الغزو الأمريكى-البريطانى للعراق تجربة مازالت نتائجها ماثلة للعيان، تذكر بأن العرب جناة وضحايا فى سوق النخاسة السياسية الدولية، وأن المظلة الروسية أو الأمريكية (الغربية) لن تمنحك قوة أو شراكة فعلية أو سيادة، بل هى تبعية واستغلال وإذلال ونهب واستلاب.
إن ليل دمشق طويل مفزع ومؤلم، كالتعذيب بأشواك الصبار. وقد لا يعرف بعضنا أن القوات الأمريكية تسيطر، منذ سنوات، على ربع أراضى سوريا، الأغنى بالنفط والغاز والمياه والأراضى الزراعية، وأنها تدعم ميليشيات جهادية وجماعات كردية، فى حين تقود (تحالفا دوليا)، تحت ستار «محاربة داعش»، وما تفعله واشنطن اليوم فى سوريا لا يخدم المصلحة السورية أو العربية من قريب أو بعيد، فقط المصلحة الأمريكية - الإسرائيلية، بمعنى أن التصعيد الحالى مجرد حلقة فى مسلسل متواصل، ربما يجادل أحدهم بأن بشار الأسد مسئول عن المحرقة السورية، أقول لك: نعم، إنه وكل الأطراف المنخرطين فى الصراع مسئولون عن الدم السورى المراق، وتدمير هذا البلد المتمدين العريق، ثم دعنى أسألك سؤالا: منذ متى كان قصف الدول وسيلة لإنقاذ شعوبها؟ أو تدمير بلد بأكمله، لإزاحة «ديكتاتور» من كرسيه؟ ثم أى «ديمقراطية» يمكن بناؤها من أشلاء الأوطان؟!!
تجربة «العراق» مفتاح الإجابة!
يقول الشاعر:
ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا
من جرب الكى لا ينسـى مواجعه