جمال سلطان
الضربة الأمريكية وخطورة بقاء نموذج بشار الأسد
قبل أي تفاصيل ، لا بد من التذكير بأن تورط بشار الأسد في قتل شعبه بالأسلحة الكيماوية مسألة مفروغ منها وثابته ثبوتا يقينيا ببيان من الأمم المتحدة بناء على نتائج التحقيقات التي أجراها فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة في جريمة "خان شيخون" في سوريا ، والذي انتهى إلى إدانة بشار بارتكاب الجريمة التي أدت إلى مقتل العشرات من السوريين بينهم أطفال ونساء ، نقول هذا حتى نختصر طريق الجدل الفارغ لدى بعض "القومجية" الذين يقولون أن اتهام بشار باستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه مجرد ادعاءات أمريكية مرسلة ولا دليل عليها ، والشيء بالشيء يذكر فإن السلاح الكيماوي لم يستخدمه بشار ضد إسرائيل وشعبها نهائيا ، رغم أن الطيران الإسرائيلي قام بقصفه أكثر من مائة مرة حسب تقرير مجلة الإيكونوميست البريطانية الشهيرة ، ولكنه استأسد به على شعبه وعلى الأبرياء العزل ، وهذه شيمة الجبناء ، كما يقول العامة في بلادنا : يخاف ما يختشيش .
وعندما طالبت الأمم المتحدة من مجلس الأمن مد عمل فريق التحقيق الأممي ليشمل بقية الأحداث التي وقع فيها استخدام السلاح الكيماوي في سوريا استخدم الروس حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن ليمنعوا فريق التحقيق الأممي من مواصلة عمله هناك ، وفهمت الرسالة بوضوح وقتها على أنها تستر روسي فاضح على جرائم بشار الأسد ضد شعبه ومنع المحققين من تتبع جرائمه ، وهناك ما يشبه الإجماع بين وسائل الإعلام الدولية على أن السلاح الكيماوي استخدم في سوريا أكثر من مائتي مرة طوال سنوات الحرب السبعة الماضية .
الضربة الأمريكية البريطانية ضد مواقع انتاج الأسلحة الكيماوية في سوريا فجر اليوم كانت رمزية ومحدودة وأقل كثيرا مما توقعه العالم ، وأقل كثيرا من الضجيج الكبير الذي مهد لها والذي وصل إلى حد مخاوف من حدوث حرب عالمية شاملة تنطلق من سوريا ، واكتشفنا أن الضربة تمت بتنسيق أمريكي روسي ، بدعوى تفادي إصابة القوات الروسية في القصف ، والمثير للدهشة أن هذا القصف الذي استمر ساعة إلا قليلا لم يقتل فيه شخص واحد ، لا عسكري ولا مدني ، لأن الروس نبهوا النظام السوري مبكرا إلى المواقع المستهدفة وتم تفريغها بالكامل من القوات والتجهيزات .
أخطر ما في تلك الضربات الرمزية هي الرسالة التي منحتها للنظام السوري ، وهو أن قتله لشعبه بالسلاح الكيماوي هو فقط المحظور وهو الخط الأحمر ، وبالتالي فله أن يقتلهم بأي سلاح آخر دون أي حرج عليه ، والعالم سيتفرج على المذبحة الجديدة ، كما ظل يشاهد المذبحة الممتدة عبر سبع سنوات ، والتي راح ضحيتها نصف مليون سوري قتيل وأضعافهم من المصابين بعضهم بإصابات فادحة وحوالي ثمانية ملايين سوري مشرد في أنحاء الأرض خارج سوريا ، فضلا عن الدمار الواسع الذي لحق بالمدن والمؤسسات السورية ، ولم ينج من قصف الطيران النظامي أو الروسي مستشفى ولا مدرسة ولا مسجد ولا حتى مخبز .
يبقى التحدي الأخلاقي أمام العالم ، وأمامنا نحن العرب ، هو كيف نوقف هذا الطاغية عن ممارسة المزيد من القتل والتخريب ، كيف نحرر سوريا من الاحتلال الإيراني والطائفي الممثل في حزب الله اللبناني والمنظمات الشيعية العراقية مثل جماعة أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق وميليشيات الهزارة الشيعية الأفغانية وغيرهم ، كيف ننشر السلام من جديد في سوريا ، وكيف نمنح الشعب السوري حق تقرير مصيره ، وحق اختيار نظامه السياسي ، وحق العيش في وطنه بحرية وكرامة وأمن بعيدا عن استباحة أجهزة أمنية إجرامية متعددة ومتشعبة ، وكيف نحمي سوريا ومقدراتها من شهوة السيطرة الروسية المتزايدة والتي أصبحت تملك القرار الأول والأهم في سوريا اليوم على مختلف الأصعدة .
بقاء حاكم مثل بشار الأسد على رأس الدولة بعد كل ما جرى ، بعد كل الخراب الذي أحدثه ، بعد كل القتل الذي مارسه ، بعد كل الجرائم التي ارتكبها ، هو كابوس حقيقي على أشواق الشعوب في العالم الثالث من أجل التحرر والانعتاق والبحث عن الحق في المشاركة في صناعة مستقبل بلادها ، هي رسالة بأن فاتورة الحرية ستكون باهظة للغاية ، تواطؤ الغرب على بقاء مثل هذا النظام سيرسل رسائل بالغة الخطورة والسلبية إلى تلك الشعوب ، وسيساعد ـ قطعا ـ منظمات الإرهاب والعنف على إعادة انتاج خطابها الدموي الظلامي وتسويقه ، وكسب أرضيات جديدة في الأجيال الجديد ، بحيث يصبح العالم أمام مسلسل لا ينتهي من الإرهاب المروع ، نموذج بشار الأسد لا بد أن ينتهي عاجلا وأن يمثل أمام المحاكم الجنائية الدولية ، لمحاكمته على تلك الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه ، هذا مدخل أساس وبديهي لدعم السلام في المنطقة والعالم .