عبد الله البقالى
لست مسلما.. أنا داعشيّ.. هكذا يميز الإرهابي بين الإسلام و«داعش»
لعل الشاب من جنسية فرنسية واسمه جبريل عمارة، كان دقيقا فيما أدلي به من تصريحات للمحققين الأمنيين الفرنسيين. فقد أكد من خلال ما نقلته يومية »لوموند» الفرنسية في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي أنه لم يكن في يوم من الأيام مسلما بل كان »داعشيا».. فالشاب الذي اتهمته العدالة الفرنسية رفقة رفيقين له أحدهما قاصر، بتكوين عصابة إرهابية كانت تخطط لتفجير قاعدة عسكرية فرنسية خلال سنة 2015، ستة أشهر فقط علي الجريمة الإرهابية التي أزهقت أرواح عدد من العاملين في أسبوعية (شارلي ايبدو) الفرنسية، وأربعة أشهر فقط قبل تفجيرات 13 يوليو الإرهابية في باريس، كان صادقا في التمييز بين أن يكون الشخص مسلما وبين أن يكون مؤمنا بعقيدة تنظيم »داعش» الإرهابي، بمعني أنه يضع حدا فاصلا بين استحالة أن تكون مسلما حقيقيا وبين أن تكون معتنقا لقيم ومبادئ تناهض تماما قناعات ومبادئ الإسلام السمحة والوسطية.
لا يهمنا في هذا الصدد النقاش القانوني، الذي شغل كثيرا من الأوساط القضائية والحقوقية الفرنسية، في هذه القضية التي لا تزال ملتهبة لحد الآن، خصوصا فيما يرتبط بالإشكالية المتعلقة بالقوة القانونية، لنية الإقدام علي التفجيرات وبالتنفيذ الفعلي لها، لكن يهمنا في هذا الصدد أن نلاحظ أن الأوساط السياسية والحقوقية الفرنسية لم تر فيما باح به هذا الشاب من قول ينفذ إلي عمق النقاش المحتدم الدائر حول علاقة الإرهاب بالإسلام، وهو بذلك يجيب، من حيث لا يدري، علي محاولات العديد من الأوساط الأمريكية والغربية التي انخرطت فيما يمكن أن نسميه »حربا عالمية علي الإسلام» التي تكشف عن منسوب جد عال من مخزون هائل من ثقافة الكراهية التي تأصلت في أعماق هذه الأوساط بسبب عوامل تاريخية وثقافية بما يمثل التربة الصالحة والمناسبة لاستنبات مظاهر الكراهية، وبما يضمن شروط تقوية بنية هذا العداء التاريخي.
ويبدو أنه من الطبيعي ألا تهتم وسائل الإعلام الغربية بهذا التمييز العميق الذي خرج من أعماق شاب يافع تقاذفته متناقضات خطيرة تعصف بمصائر أعداد كبيرة من الشباب المغترب الباحث عن العدل والإنصاف في براثن محاولات بعض الأوساط المسخرة للإساءة إلي الإسلام الحقيقي. لأن كثيرا من وسائل الإعلام هذه تبحث عن إذكاء نزعات العنف والإرهاب لهواجس قد تتوزع بين ما هو تجاري صرف أو سياسي واضح وثقافي خالص.
لعلها المرة الوحيدة التي كان فيها الشاب عمارة صادقا في مسار حياة اكتظ بالمغالطات، فقوة الشحن الإيديولوجي الغريب التي تفقد الشخص تقديس أعظم قيمة لدي الإنسان، وهي قيمة الحياة، وتحوله - لأسباب يتعذر علي العقل السليم استيعابها - إلي قوة مدمرة لهذه القيمة التي يقدسها الإسلام الحنيف، أجبرته في لحظة منفلتة عن سياقها المعتاد في مثل هذه الحالة علي أن يضع الإرهاب في مستنبته الحقيقي وفي سياقه الصحيح. فهو يتبرأ من الإسلام السائد، المعيش، الذي يسكن أعماق مئات الملايين من العباد علي امتداد الخريطة الكونية، ويؤكد أنه »داعشي» وبذلك فهو ينأي بالإسلام عما اقترفه ويقترفه من يطلق علي نفسه اسم »تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام». فمن يكون مسلما لا يمكنه أن يكون »داعشيا» ومن كان »داعشيا» لا يمكن أن يكون مسلما حقيقيا.
الشاب عمارة، جازاه الله عنا كل الخير، لم يتوقف عند هذا التدقيق الذي كان من المفروض أن يجذب إليه اهتمام الرأي العام الدولي، بل زاد في منسوب خدمته للإسلام والمسلمين حينما أومأ في تصريحاته لسلطات التحقيق الفرنسية أن المسلمين الذين يمارسون الإسلام في المساجد وفي حياتهم الخاصة والعامة الأحق بالفتك لأنهم مسلمون من غير طبعة »داعش»، وهم بذلك كفار ينطبق عليهم ما ينطبق علي الكفار في الفهم التقليدي المنغلق للكتاب والسنة في الإسلام. وبذلك فإن الشاب عمارة يجدد الكشف عن أطروحات إرهابية من حيث الفكر والفهم والممارسة والتي تحدد شرعية الوجود والحياة في القوالب الجاهزة التي تسوق لها »داعش» بمعني أن تكون إنسانا يجب أن تكون »داعشيا» واحدا، أحدا، لا يعترف بالتعدد ولا بالآخر ولا بالفكرة المغايرة ولا بالموقف المختلف.
أكيد أن ملف هذه القضية لم يغلق بالأحكام الثقيلة التي صدرت في حق مشاريع الجناة الإرهابيين والتي طعن فيها الدفاع وعادت لتشغل فضاءات القضاء الفرنسي، ولن تغلق حتي بصدور الأحكام النهائية، لأن فلتة الشاب جبريل عمارة فتحت طرقا سريعة وسيارة لتفاعل الأفكار والمواقف وتعمق التحاليل والدراسات، لعلنا نلمس في يوم من الأيام الحدود الفاصلة بالضبط بين أن تكون مسلما حقيقيا وأن تكون »داعشيا» منتوجا خالصا لفكر وثقافة وعقيدة العنف والإرهاب.
• نقيب الصحفيين المغاربة