ماجد حبته
صفعة ثلاثية لـ... الأمم المتحدة
العدوان الثلاثي الذي استهدف سوريا، فجر السبت، لم يكن غير جريمة مكتملة الأركان، لا يوصف من ارتكبوها إلا بأنهم إرهابيون أو على أقل تقدير «بلطجية». ويخدعك من يحاول جرّك إلى أي تفاصيل يسكنها الشيطان، وتمضغها الغربان، ويتجاهلها المتعاطفون بأجر، ويختلف عليها من لا ناقة لهم في الموضوع ولا جمل، ويجتهد فيها هواة الصيد في الماء العكر، لاصطياد ما للمزايدة على أطراف أو السجود لأخرى.
ما لا يمكن الخلاف عليه أو الاجتهاد بشأنه، هو أننا أمام عدوان على دولة ذات سيادة، انتهكت فيه الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا، ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ولا مجال في ذلك لوجهات النظر أو الأخذ والرد، لأن العدوان تم دون موافقة مجلس الأمن، الذي من المفترض أنه يتحمل المسئولية الرئيسية عن حفظ السلام والأمن الدوليين. وأكد مجددًا أن منظومة العلاقات الدولية قائمة على معادلات القوة والقهر والإكراه، التي وضعها «بلطجية» وأنتجوها وحققوها، خارج القانون وضده، وتمكنوا من اختطاف مؤسسات صنع القرار الدولي بالقوة العسكرية، وحوّلوها إلى شركات خاصة لا تخدم غير مصالحهم.
لـ«البلطجية» الثلاثة، أهداف مختلفة عن تلك التي أعلنوها. فرنسا تحاول أن تنتزع لنفسها موطئ قدم في المنطقة، وتقوم بتقديم أوراق اعتمادها لإدارة «ترامب» باعتبارها الشريك الأوروبي الأكثر جدارة بالثقة. ولمشاركة بريطانيا أسباب كثيرة أقلها توتر علاقاتها مع روسيا على خلفية محاولة اغتيال الجاسوس الروسي سيرجي سكريبال. أما المصالح الأمريكية فمستقرة في شرق الفرات بقواعد عسكرية تضم ألفي جندي وعددًا غير معروف من «المرتزقة» وصفهم تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية بـ«متعاقدين أمنيين». وكان للصدفة وربما لسبب آخر، فضل تزامن العدوان مع ظهور ذلك التقرير، ربع السنوي، الذي كشف للمرة الأولى عن وجود نحو خمسة آلاف وخمسمائة «متعاقد أمني»، من جنسيات مختلفة، في سوريا والعراق. وكان التقرير السابق، الصادر مطلع يناير الماضي، قد تناول المرتزقة المتواجدين في العراق فقط!.
حوالي ١١٠ صواريخ تم إطلاقها، قيل إنها استهدفت مناطق مُدمَّرة أصلًا، وقيل أيضًا إن منظومة الدفاع الجوي السورية تصدت لها وأسقطت معظمها. وحسب المعلومات المتوفرة، إلى الآن، فإنها لم تلحق أي خسائر تُذكر، سوى نسفها لأي رهانات على دور دولي أو إقليمي في حل المعضلة السورية. ومع الصواريخ تبددّت أوهام أو أحلام إجراء تغييرات في موازين القوى الدولية أو الإقليمية، الواقعية على الأرض، أو حتى الافتراضية التي تسكن الخيال.
مع الصواريخ، أو مع الريح، ذهبت أيضًا ذريعة الهجوم الكيماوي المزعوم، الذي لا يوجد إلى الآن ما يثبت حدوثه. ولاحظ أن شن الغارات حدث قبل ساعات من وصول مفتشين من «منظمة حظر السلاح الكيماوي» الذين كان مقررًا أن يصلوا إلى دمشق، يوم السبت. كما أخذت الريح أو الصواريخ، في طريقها، ديمقراطية الغرب المزعومة، بحدوث العدوان دون موافقة الكونجرس الأمريكي، وقبل عودة مجلس العموم البريطاني إلـى الانعقاد، الإثنين. ولم تجد تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، حرجًا في إعلان أنها اتخذت قرار المشاركة دون الرجوع إلى المجلس، الذي كانت معارضته للقرار متوقعة.
ما قد يثير دهشتك، هو أن الحوَل أصاب أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وبدلًا من إدانته للعدوان، الذي نكرر أنه ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. بدلًا من ذلك، أعرب المذكور عن «خيبته العميقة» من فشل مجلس الأمن في التعامل مع الأزمة. وفي البيان الذي أصدره بعد منتصف ليل الجمعة بتوقيت نيويورك، كان لافتًا أن «جوتيريش» تجاهل الإشارة إلى بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، التي سبق أن أعلن دعمه الكامل لها، في الجلسة المفتوحة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن، بطلب من روسيا، والتي عبر فيها الأمين العام عن غضبه من التقارير المستمرة حول استخدام أسلحة كيماوية في سوريا، وأكد أن خطورة تلك الادعاءات «تتطلب إجراء تحقيق شامل باستخدام خبرات محايدة ومستقلة ومهنية».
لو سألتني عن موقفي من العدوان، سأقول إنه الموقف نفسه الذي أعلنته الخارجية المصرية وأعربت فيه عن قلقها البالغ من التصعيد الراهن. أي عاقل سيرفض، بالتأكيد وبشكل قاطع، استخدام أي أسلحة محرمة دوليًا على الأراضي السورية، أو على غيرها، شريطة أن يسبق الرفض أو الإدانة «إجراء تحقيق دولي شفاف وفقًا للآليات والمرجعيات الدولية». وأي عاقل منصف سيتضامن مع الشعب السوري الشقيق «في سبيل تحقيق تطلعاته للعيش في أمان واستقرار، والحفاظ على مقدراته الوطنية وسلامة ووحدة أراضيه، من خلال توافق سياسي جامع لكل المكونات السياسية السورية بعيدًا عن محاولات تقويض طموحاته وآماله».
فقط أختلف مع الخارجية المصرية في دعوتها «المجتمع الدولي والدول الكبرى لتحمل مسئولياتها في الدفع بالحل السلمي للأزمة السورية بعيدًا عن الاستقطاب»، بعد أن ثبت للمرة الـ«مش عارف كام» أن ما يوصف المجتمع الدولي وما يزعمون أنها «دول كبرى» لا يعترفون إلا بمعادلات القوة. وهنا تكون الإشارة واجبة إلى أن سفير روسيا لدى واشنطن أخطأ حين وصف العدوان بأنه إهانة للرئيس الروسي، لأن الصفعة الثلاثية هوت على «قفا» الأمم المتحدة، مجالسها، هيئاتها.. وميثاقها.