الأخبار
كرم جبر
مصر وأوجاع العرب
كان الرئيس عبدالفتاح السيسي حاسما، وهو يشخص امام القمة العربية امس اوجاع ووجيعة العرب فلم يبق في الجسد العربي جزء إلا ويتألم من اوضاع داخلية واقليمية ودولية، اسفرت عن ان الامن القومي العربي في مجمله صار يواجه تحديات غير مسبوقة في تاريخه وتضعه في مهب الريح، وتفتح الابواب لاطماع كثيرة، وجب مواجهتها بجرأة وشجاعة، اذا كان العرب حريصين علي ان يكون لهم مكان تحت الشمس الملتهبة في عالم اليوم. لم يكن الموقف في سوريا وحده هو الجرح الاساسي الذي يسبب الالم، ولكنه فرض نفسه علي اعمال القمة، في أعقاب الغارات الصاروخية التي اختلفت حولها الاراء، ولكنها لم تفجر خلافات حادة في القمة، لان كل الاطراف تدين بشدة استخدام السلاح الكيماوي، وتطالب بمعاقبة المسئول عنه، ولكن كان الرئيس السيسي محددا، حين طالب بلجنة تحقيق دولية محايدة وموثوق فيها تجري تحقيقات شاملة وتخلق اجواء من الطمأنينة والثقة لكل الاطراف، فلا احد يختلف حول الرفض القاطع لاستخدام اسلحة محرمة دوليا، ولكن ان يكون ذلك تحت مظلة القوانين الدولية وقرارات مجلس الامن وليس بالالتفاف حولها او بقرارات منفردة. ويبدو من المشاورات، ان بشار الاسد لم يعد هو المشكلة، ولم تعد إزاحته هي الرقم الصعب في المعادلة السورية، وتراجع اصرار الدول التي تطالب بالاطاحة به، ربما بسبب التجارب السابقة للاطاحة بزعماء سابقين، ولم يتحقق الاستقرار مثل صدام حسين والقذافي وعلي عبدالله صالح. وارتفعت الرغبة لدي كل دول القمة باحلال التسوية السلمية في سوريا بمشاركة جميع الاطراف، لحقن دماء الشعب السوري الذي سقط من ابنائه نصف مليون قتيل، وما زالت الاراضي السورية مستنقعا لمؤامرات اقليمية ودولية ومحلية، تستهدف استمرار نزيف الدم، ويدفع ثمنها الشعب السوري، وتهدد مستقبله وحياة ابنائه، وتؤدي الي مزيد من النزوح والهجرة. ايران وصواريخها التي تنطلق من اليمن صوب الاراضي السعودية لقيت استنكارا وشجبا ورفضا من كل الزعماء العرب، وبات الخطر الايراني هو الخطر الاكبر الذي يهدد الامن القومي العربي، سعيا الي اشعال المنطقة بحروب اقليمية تتسع رقعتها، وتحقق مطامع ايران ونفوذها في المنطقة وهو ما يهدد وجود الدولة الوطنية، لصالح كيانات طائفية وتنظيمات ارهابية وزينت لها حالة عدم الاستقرار التي تمر بها المنطقة، ان تحاول بناء مناطق نفوذ تعمل لصالحها، وبات ضروريا، ان يعود اليمن الي الصف العربي بإرادة عربية فاعلة ومؤثرة.
والملف الفلسطيني هو الأكثر ضرراً من الاوضاع المأزومة في المنطقة، فبعد ان كانت فلسطين هي قضية العرب الكبري، منذ القمة الاولي في إنشاص سنة ١٩٤٦ وقبل اعلان قيام اسرائيل، ظل الملف يتراجع في دائرة الاهتمام العربي، خصوصا في السنوات الأخيرة، التي هبت فيها رياح الجحيم -المسمي بالربيع العربي - فتراجع الاهتمام بفلسطين، بعد ان فُتحت في الجسد العربي جراح غائرة، لا تقل عن بقية الجراح التي تصيب المنطقة كلها. وتبنت القمة العربية الدعوة لتفعيل مبادرة السلام العربية، ومتابعة تطورات الاستيطان الاسرائيلي، والمحافظة علي هوية القدس الشرقية، وغير ذلك من العبارات التي تحتاج تفعيلا، فالجميع يعلم أن القضية اكبر بكثير من التصريحات والامنيات، وتخضع لامرين شديدي الخطورة.
أولا: اصرار اسرائيل علي التهام بقية الاراضي الفلسطينية، مدعومة بقرار ترامب بنقل السفارة الامريكية الي القدس، بما يؤكد ان الزمن لم يعد في صالح القضية الفلسطينية، وأن ما كان مطروحاً عليها بالأمس لن تستطيع تحقيقه اليوم، وأن ما سوف يُطرح اليوم لن يحصلوا عليه في الغد.
ثانيا: تعثر محاولات لم الشمل ورأب الصدع بين فتح وحماس، وصولا الي موقف فلسطيني موحد، يدحض مزاعم اسرائيل ولعبها علي الوقيعة وإذكاء للصراع والفتن، فوحدة الصف الفلسطيني هي الخطوة الوحيدة لاحياء السلام، واخراج القضية برمتها من ثلاجة التجميد.
القراءة الأولية لاعمال القمة العربية، تؤكد احساس جميع القادة والزعماء بالاوضاع المأساوية التي تمر بها المنطقة، وانه آن الآوان للم الشمل ورأب الصدع، ومحاولة اللحاق بحلم التضامن العربي، قبل ان ينفرط العقد اكثرمن ذلك، وبداية اليقظة هي الشعور بالخطر الشديد، والرغبة في نبذ الفرقة والخلافات، والاتفاق علي حد أدني يحمي المصالح العربية، ويجعلها رقما موثرا في المعادلة والسياسات التي يجري وضعها للمنطقة بعيداً عن مصالحها الحقيقية.
الظهران المدينة الرائعة في شمال السعودية.. قد تكتب تاريخا جديدا للتضامن العربي، ويسجل باسمها علامة بارزة، تضاف الي القمم العربية الحاسمة التي خرجت من أوجاع الخطر الي الشعور بالمسئولية.


تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف