الأهرام
يوسف القعيد
قبر ابن خلدون
بتاريخ 11/11/2017 قدمت للأستاذ الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب طلب إحاطة عاجلا. أرسله لرئيس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل. وتم تحويله لوزير الآثار، الدكتور خالد العناني. أتساءل عن مكان قبر ابن خلدون. ومنذ أيام أرسل لى المستشار أحمد سعد الدين، الأمين العام للمجلس. رد وزارة الآثار فى 30 صفحة من القطع الكبير مزود بـ 20 صفحة للمعلومات والصور والخرائط. ونظراً لأهمية الأمر وخطورته. أكتب اليوم عن الموضوع. هدفى ليس الكلام عن مقبرة ابن خلدون فقط، ولكن عن هدر الإمكانات الأثرية لمصر وإهمالها. ربما لم تكن جريمتنا نحن. ولكنها تمت بأثر رجعى وتتم الآن وربما استمرت معنا فى أزمنة لاحقة.

قلت فى طلبي: يوجد بالقاهرة عدد ضخم من قبور أهم الرموز الفكرية والحضارية والثقافية فى تاريخ الحضارة الإسلامية والإنسانية، ومع هذا ورغم اليقين بوجودها عندنا، لا نعرف عنها أى شيء.

عبد الرحمن بن خلدون، مؤسس علم الاجتماع ومكتشفه بالنسبة للدنيا مات بالقاهرة، ودفن بها، وعندما زرت تونس والمغرب وإسبانيا، سألنى الجميع عن المكان الذى دفن فيه ابن خلدون، فمن المؤكد أنه مات بمصر. ومن المعروف ميلاده فى 27 مايو 1323 بتونس، ووفاته فى 19 مارس 1406 بالقاهرة.ابن خلدون صاحب المقدمة التى كانت فتحاً فى زمانها وما زالت حتى الآن، وضعت البشرية على الطريق الصحيح لاكتشاف ما قال عنه الغرب: علم الاجتماع البشري. سماه ابن خلدون فى مؤلفاته: علم العمران. رغم شهرته باعتباره صاحب المقدمة، فإن هذه المقدمة كانت مجرد مقدمة لتاريخ ابن خلدون، الذى يقع فى أكثر من مجلد ويدون تاريخ البشرية منذ النشأة الأولي، وحتى الزمان الذى كتب فيه، وأيضاً له كتاب عبارة عن مذكراته. الشخصية التى لا تقل أهمية عن عمليه الكبيرين المقدمة وتاريخ ابن خلدون.

من الثابت وفاته بمصر، وبعض كتب المؤرخين تذهب إلى أنه دفن فى قرافة ومقابر باب النصر، ولأنه حدثت حالة من الإهمال الشديد لضريحه، فلم يتعرف إليه أحد، فلم لا تقوم وزارة الآثار بعمل بحث ميدانى ومسح شامل للتوصل لقبره؟ وفى حال نجاح مصر فى تحديد مكان دفنه، سيصبح مزاراً سياحياً مهماً، وقد يكون نواة لإنشاء مؤسسة تحمل اسم الرجل وتقدم فكره للدنيا، خصوصاً أن عطاءه المكتوب كتبه بعد أن أتى إلى مصر واستقر بها، وظل بها إلى أن وافاه الأجل. ومع شكرى للدكتور خالد العناني، وزير الآثار، والفريق المعاون له. الذى بحث الأمر وأولاه اهتمامه الشديد ولمن كتبوا الرد: رانيا موسى الشيوي، مدير القصور. إبراهيم عبد الفتاح، مفتش الآثار. نجوى محمد أحمد، مدير مركز تسجيل الآثار. وعادل زيادة، المشرف على المراكز البحثية.

جاء فى الرد: لا يوجد فى الوقت الحالي. وبالشيء المادى الملموس وجود لحوش الصوفية حتى اللحظة الحالية فوق سطح الأرض. ولم يتيسر لنا بالإمكانات المتاحة العثور على شاهد قبر أو ضريح أو مكان محدد بحدود معينة. فقد مر زمان اختلفت فيه طبقات الأرض. وكثرة مريدى هذه المقابر ما بين زوار وساكنين ومدفونين وسارقين ونابشين للقبور. ولكن هذا لا يعنى فقد حوش الصوفية الذى أكدت المصادر التاريخية وجوده. وإن عجزت الآلة الأثرية المادية الملموسة على إثباته. وقمنا بالدليل والبرهان والحجة والبحث الميدانى فى محاولة تقديم صورة واضحة عن اجتهادنا فى محاولة استبيان مكان الحوش والتحديد التصورى لمكان ضريح ابن خلدون، وذلك من خلال المراجع والمصادر والخرائط القديمة والحديثة التى استطعنا الوصول إليها.

وبالفعل حددناها تقريباً فى وسط جبَّانة باب النصر. شمال قُبَّة الشيخ يونس. وجنوب شرق قبة سيدى نجم الدين. وامتدادهما شرقاً حتى الإدارة العامة للأمن المركزي. أوضحنا الأسباب والملابسات. ولكن يبقى هذا التحديد موضع اقتراح ينقصه المسح الأثرى للمنطقة. واستخدام أجهزة حديثة لعمل مجسات حفر فى طبقات التربة، حيث ارتفاع مستوى الطريق عن سابقة.

مرت فترة طويلة على المقبرة لم يشر إليها. ربما لبساطتها. فلم تشغل أحدا من الرحالة والمستشرقين. ولذلك فيبدو أن الاهتمام بها لم يكن على النحو المرجو. على مر العصور. وكأن ساكنيها أرادوا أن يركنوا إلى الراحة بعيداً عن الضوضاء والمهاترات وصخب الحياة. فتهدمت أجزاء كبيرة منها. ونسيها العامة وجمهور العلماء. حتى أن السخاوى قال إنها كانت مهدمة. وحدد فقط قبر الشيخ برهان. وهو الأوسط. وأسفله قبر المقريزى وابن خلدون.

ولو أن هناك أجزاء ظاهرة ولو ضئيلة من قبر إبن خلدون. لكانت ذكرت فى كراسات لجنة حفظ الآثار العربية على سبيل الإشارة. فالمقريزى دفن إلى جوار ابن خلدون. والمقريزى عمدة المؤرخين ومصدر رئيسى لكل المهتمين بالآثار. فلا يعقل أن تكون هناك إشارات ولو بسيطة أغفلتها لجنة حرصت على حفظ تراثنا من الآثار الإسلامية.

ولم تكن تربة الصوفية وقبر ابن خلدون والسخاوى من المقابر التى هدمت بغرض توسعة شارع البنهاوى أو غيره. فالأوناش والحفارات بريئة من هذا براءة الذئب من دم ابن يعقوب. ولذلك لا بد من عمل مسح أثرى وحفائر فى المنطقة الواقعة بين شارع نجم الدين والإدارة العامة للأمن المركزي، التى تضم بداخل أسوارها ضريحا به رفات جلال الدين المحلى والإمام السُبكي. ولذلك لم يتم التوصل إلى المقبرة التى يذهب بعض المؤرخين - وهذا كلام من عندى - أنه تم هدمها فى مرحلة تاريخية معينة. ثم تختتم الدراسة الطويلة بأن من وضعوها يتبنون رأى الشاعر فاروق جويدة، والقائل بإنشاء نصب تذكارى يذكرنا بهؤلاء الخالدين. ويتم عمل سور حجرى حتى تبدو مقبرة الصوفية وكأنها عادت للحياة من جديد. حياة لا تفتح للأموات ولكن للزائرين. بها مجسمات لتلك الشخصيات وشواهد قبور رخامية على الطراز المملوكى تكتب بحروف من نور. بها أسماؤهم وحياتهم. ويتم عمل مكتبة صغيرة حول سور المقبرة بها أهم وأشهر مؤلفاتهم.

وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا. وعلى ابن خلدون الانتظار إلى ما لا نهاية حتى نعثر نحن أهل مصر على مكان قبره. هذا إن عثرنا. أليست الحكاية الحزينة أقرب للمتاهة؟.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف