فهمى السيد
دلالة الا رقام.. في القران(1)
الأرقام مهمة ولا غني في الحياة البشرية ولا يخفى قيمة الرقم في عالم اليوم، حتى أصبح الرقم يتحكم في حياة البشر. وكان الرقم -كقيمة حسابية- حاضراً في كثير من الآيات القرآنيةوهذا من الاعجاز الالهي ليعلم البشر جميعا أهمية الرسالة الخاتمة والكتاب المعجز الذي جاء نبي امي ،ووجوه إعجاز القرآن ما ذكر الله فيه من أعداد الحساب والجمع والقسمة والضرب.؛ ليعلم بذلك أهل العلم بالحساب، أنه صلى الله عليه وسلم صادق في قوله، وأن القرآن ليس من عنده؛ بل من لدن حكيم عليم.
الارقام في كتاب الله؛ لها دلالة ومعني غير كونها اعجازا وكل رقم ذكر ، فالمولي قاصد له، ومريد لمضمونه. لكن قد يستبين لنا معناه، وقد يخفى عنا، وقد يعلمه الراسخون في العلم، ويخفى على غيرهم. فمثلاً، قوله سبحانه: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} ، فتحديد هذه المدة قد يتبين لنا الحكمة منه، وقد يخفى عنا، ويكون مما استأثر الله بعلمه. يقول الآلوسي في أثناء تفسيره لهذه الآية: "لعل ذلك الرقم لسر تفرد الله تعالى بعلمه، أو علَّمه من شاء من عباده".
ومن ذلك أيضاً، قوله عز وجل: {عليها تسعة عشر} ، فالتحديد بهذا الرقم لا يتبين لنا حكمة من ورائه، والمعتمد في مثل هذا التحديد أن نكل علمه إلى الله، ونؤمن به كما ورد، ونستطيع من خلال استقراء النصوص القرآنية التي ذكرت فيها أرقاما ، أن نتبين شيئاً من مقاصد القرآن في ذكرها منها التحديد وبناء الحكم الشرعي على الرقم المذكور. من أمثلة هذا قوله تعالى في بيان عدة المطلقة: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ، وقوله تعالى في عدة المتوفى عنها زوجها: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} ، فالرقم في هاتين الآيتين ونحوهما مراد منه تحديد فترة معينة، يترتب عليها حكم شرعي.
وقد يذكر الرقم لتقرير حقائق كونية. من أمثلة ذلك قوله سبحانه: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا} ، وقوله تعالى: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} (الحج:47)، ونحو هذا قوله سبحانه: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} (الأعراف:54)، فالأرقام في هذه الآيات ونحوها تبين حقائق كونية.: بيان الكثرة والمبالغة من غير قصد للرقم نفسه.
من ذلك قوله سبحانه: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} ، قال ابن عاشور: "و{سبعين مرة}: غير مراد به المقدار من الرقم، بل هذا الاسم من أسماء الرقم التي تستعمل في معنى الكثرة"و يذكر الرقم لمجرد التنبيه من غير أن يحمل دلالة ما، ومن الأمثلة على هذا قوله تعالى {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم}، قال الفراء: "الرقم غير مقصود؛ لأنه سبحانه مع كل عدد قلَّ أو كثر، يعلم السر والجهر، لا تخفى عليه خافية"؛ لذلك قال في الآية نفسها: {ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا}.
قد يراد بذكر الرقم حقيقته الرقمية، من أمثلة ذلك قوله تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} ، فالرقم هنا مراد به الحقيقة الرقمية، قال أبو حيان: "والظاهر أن {ألف شهر} يراد به حقيقة الرقم، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام".
ومن الاعجاز المذهل لرب القران انه اشتمل، نجد أنه اشتمل على الأرقام العشرية كلها.فالرقم (واحد) ورد في العديد من الآيات، من ذلك قوله سبحانه: {كان الناس أمة واحدة} . وأكثر ما ورد هذا الرقم في الآيات التي تؤكد على وحدانية الخالق: كقوله تعالى: {وإلهكم إله واحد} وهذا الرقم ورد بصيغتي التذكير (واحد)، والتأنيث (واحدة).
والرقم (اثنان) ورد في مواضع من القرآن، مفرداً ومركباً، من ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} ، وقوله تعالى: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين). وهذا الرقم ورد بصيغتي التذكير والتأنيث أيضاً، والرقم (ثلاثة) ورد في مواضع غير قليلة من القرآن، من ذلك قوله سبحانه: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}، وقوله أيضاً: {وكنتم أزواجا ثلاثة} .
أما (أربعة) فورد في قوله تعالى: {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} ، وقوله سبحانه: {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام}.وخمسة، قوله سبحانه: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} ، وقوله تعالى: {ويقولون خمسة سادسهم كلبهم} .والرقم (ستة) ورد في قوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام}. وأكثر ما ورد هذا الرقم في بيان المدة التي خلق الله فيها السماوات والأرض.
أما رقم (سبعة) فذكر أبواب جهنم: {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} ، ومنه قوله تعالى: {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر}. وهذا الرقم أكثر ما ورد في وصف السماوات بأنها سبع، كقوله تعالى: {فقضاهن سبع سماوات في يومين} وورد الرقم ثمانية في قوله تعالى: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج}، وأيضاً قو {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} .
والرقم (تسعة) وورد رقما تسعة وعشرة في مواضع من القرآن: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} : {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} والرقم (عشرة) ، من ذلك قوله سبحانه في كفارة اليمين: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} ، ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} .
والمقال المقبل نستكمل فيه الاعداد المركبة والعقود ان شاء الله تعالي.