أشرف العشرى
سيد البيت الأبيض.. تمهل كثيرا بعد الآن
أعترف بأننى كتبت فى هذا المكان منذ عامين سلسلة مقالات مطولة لبشار الأسد ولفت النظر عن مألات الأزمة السورية وطالبته كثيراً عن التوقف عن الرهان عن الحل العسكرى والأمنى للأزمة السورية وضرورة الابتعاد عن النهايات المفجعة لقادة عرب مثل صدام حسين والعقيد معمر القذافى وإنقاذ البقية الباقية من سوريا العربية، والإبقاء عن الحد الأدنى على قوة وتماسك الجيش العربى السورى فى ضوء ما يحاك ويدبر لوحدة وسلامة الأراضى السورية الذاهبة للتقسيم والتفتت والتجزئة وفى ضوء كثرة اللاعبين الاقليميين والدوليين ويومها حذرت أن المشهد والسيناريو القادم مخيف مرعب لسوريا والسوريين وكنت ومازلت أرى أن الحل الأمثل لسوريا والسوريين، هو فى الرهان على الحل السياسى وضرورة امتثال جميع اللاعبين من الفرقاء السوريين وكذلك فرق الارهاب الجوالة التى كانت تغطى سماء وساحات الأراضى السورية، وأيضا جيوش وميليشيات دول إقليمية كإيران وتركيا وحزب الله وأخواته من الشيعة والروافض الذى استقدمتهم طهران إلى الملعب السورى ناهيك عن الأمريكيين والروس حيث الحل يتمثل فى قبول واعتماد كل هؤلاء الأطراف مرجعية جنيف واحد وقرار الأمم المتحدة 2254 باعتبار أنه كان ومازال أفضل الحلول السحرية لإنهاء هذا المشهد، والفجيعة السورية التى تجاوزت عامها السابع وحولت سوريا ومحافظاتها ومدنها إلى القرون الوسطى حيث عمليات التخريب والتدمير الممنهج والانهيارات الكاملة التى مازالت تتوالى فصولا حتى الآن هناك حيث لم يعد بها جحرا أو بشرا ناهيك عن حاجة سوريا اليوم لو توقفت حروب الفتن والفوضى والخراب وقبل جميع اللاعبين بإنهاء تلك المأساة الدرامية الدراماتيكية لإعادة تعميرها إلى نحو 800 مليار دولار حسب تقديرات مؤسسات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة ويبقى السؤال الجوهرى من أين يأتى السوريون أو العرب أو حتى دول العالم مجتمعة بكل هذه الأموال.. وتدفع لمن ؟ وكم ستستغرق سنوات إعادة البناء والتعمير والتأهيل تلك.
ومناسبة إعادة هذا الحديث بعد أن عادت مأساة سوريا والسوريين اليوم إلى سيرتها الأولى عبر زخم الضربات العسكرية الأخيرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ووحشية ترامب، واشتراك فرنسا وبريطانيا للمرة الأولى فى هذه الضربة غير المبررة بعد تسويف الحجة التى كانت ومازالت جاهزة بعد القصف الكيماوى لدوما واتهام بشار الأسد بارتكاب تلك المأساة الفظعية وأن كان الجميع وأنا منهم ينتظر قرار لجان تحقيق خبراء حظر الأسلحة الكيماوية الذين توافدوا وبدأوا عملهم الآن فى دوما وانتظار تحقيقاتهم فى الوصول إلى الحقيقة الغامضة حتى الآن . وبرغم كل ذلك فقد كانت توقعاتى السياسية وبلغة الحسابات الاستراتيجية أن الضربة قادمة وواقعة لا محالة، وهذه ليست رغبتى أو أمنيتى فى حدوثها حيث أعلنت رفضها، وذلك أكثر من مرة فى عدة إطلالات فضائية عربية شاركت فيها مؤخراً ولكن بسبب عدوانية وشراسة ترامب وتواطؤ بعض الدول الأوروبية معه وميوعة روسيا فى هذا الشأن وعدم اتخاذ مواقف أكثر صرامة وتشدداً.
وبالرغم من كل ذلك فان بعض التحذيرات الروسية ومواقف صلبة تحذيرية لدول عربية وإن كانت قليلة وفى المقدمة منها مصر بثقلها العربى والإقليمى قد أرسلت عدة رسائل غضب ورفض لترامب وحلفائه الأوروبيين فان ذلك لاشك قلل من قوة وبطش وجبروت تلك الضربة حيث جاءت استعراضية متراجعة عن بنك الأهداف الذى حدده ترامب وحلفاؤه حيث تحذيرات المعترضين كانت ترى فيها بداية معارك ومواجهات ونذر وخيمة على المنطقة كلها وليس سوريا فقط ومصالح أمريكا أيضاً.
وهذا فى تقديرى ربما يكون الخلاصة التى توصل إليها الرئيس ترامب وفريقه من ناحية وحلفاؤه فى المقدمة بينهم فرنسا وبريطانيا خاصة بعد أن أبدى القيصر الروسى بوتين امتعاضه كثيراً ورد على رسائل الغضب الأمريكى برسائل روسية متبادلة ومتوازية فى استعراض العضلات السياسية فى مؤتمرات الكرملين الأخيرة وساحة مجلس الأمن وأن كانت أقل بالندية العسكرية والتهديدات المتلاحقة لإحداث تراجع ترامب كاملاً بأن الحضور العسكرى الأمريكى وغيره إلى سوريا لن يكون نزهة وان أى عمل عسكرى كبير فى هذا القبيل سيواجه بغضب وحمم بركان عسكرى روسى مثلما توعد وهدد سفير روسيا فى لبنان الجميع تلك الرسالة نيابة عن سيد الكرملين ولكن هذا للأسف لم يحدث. دون مبالغة فى القول ربما وقوع الضربة العسكرية الأمريكية ليس نهاية المطاف أو أن علاقة أمريكا بسوريا انتهت وأغلق الملف وانتهت معاركها بدمشق بعد الآن.. بل على العكس المعارك السياسية والعسكرية ستبدأ وتعود من جديد حيث كل شيء يوحى بأن الأيام المقبلة فى سوريا ستكون من قماشة الأيام الصعبة والمكلفة هناك وأيضا فى المنطقة حيث سيصبح بشار الأسد هو الهدف القادم حيث سيتزايد التصعيد بضرورة مغادرته قصر المهاجرين وسط دمشق إلى الأبد حيث ذلك سيكون الهدف الأمثل والضاغط لترامب وحلفائه فى قادم الأيام. وبكل تأكيد هذا لن يضمن حل واستقرار الأوضاع فى سوريا بل على العكس سيوسع من دائرة الفوضى والتخريب أكثر فى سوريا حيث ستحدث الفوضى والصراعات التى ضربت العراق وليبيا وغيرها بعد سقوط حكامها وهو ما يجب أن يتنبه إليه ترامب وفريقه وألا يعيد تكرار سيناريوهات وأخطاء جورج بوش الابن فى العراق وساركوزى وقادة الناتو فى ليبيا.
وفى المقابل على بشار الأسد ألا يعجل بنهاية حكمه وألا يعطى الفرصة لأعدائه فى الدول الكبرى بتكرار عمليات القصف بالكيماوى فيلجأون إلى ضرب سوريا وخلعه بشكل أكثر ضراوة ووحشية حيث القادم سيكون أسوأ فى الملعب السوري. وبالتالى بعد كل هذه السيناريوهات فى سوريا يجب أن تكون رهانات الجميع على الحل السياسى من جديد حيث تصبح الفرصة مواتية لعودة جميع اللاعبين إلى طاولة المفاوضات بما فيهم العرب الذين ظلوا غائبين عن المشهد السورى قرابة السنوات الست حيث أسس ومحددات وشروط الحل موجودة وقائمة ويعلمها الجميع بشرط أن تتوافر الإرادة والقناعة للجميع بأن الحل سياسى فى سوريا بامتياز وليس عسكريا بشرط أن يضمن هذا الحل خروج جميع اللاعبين من الساحة ومسرح العمليات هناك اليوم قبل الغد.