الجمهورية
زياد السحار
سوريا المنكوبة.. آخر طبعة
لم يفاجأ شعبنا العربي بهذا العدوان الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي علي سوريا في طبعته الأخيرة.. والذي ذكَّرنا بالعديد من جرائم الاستعمار القديم في القرن الماضي وقد ظننا أنه قد حمل عصاه ورحل.
ولكن الجديد هو هذا الصمت الدولي المريب علي تلك الازدواجية المشينة في التعامل مع قضايا الأمة العربية وتلك التحالفات المريبة من تركيا والقوي الإقليمية التي تظن أنها في منأي عن هذه اللعبة الدولية القائمة علي المصالح واستنزاف مقدرات الشعوب والعمل علي تنفيذ المخطط الصهيوني الأمريكي الذي يهدف إلي تفتيت وتقسيم الدول العربية لمصلحة الربيبة المدللة إسرائيل التي كان يُفترض أن تنال عقاباً دولياً علي جرائمها الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومئات القتلي والجرحي الذين لا يملكون سوي التظاهر السلمي للتعبير عن حقوقهم المشروعة.
وللأسف لم تغير الولايات المتحدة في إعدادها لسيناريو الهجوم العسكري علي سوريا من ملفات حربها علي العراق وزعم استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية مثلما فعلت من قبل في اتهامها للعراق وثبت بعد ذلك عدم صحتها. رفضت حتي الاعتذار عن ضياع إحدي أكبر الدول العربية التي كانت تمثل تهديداً لإسرائيل.. وتتغافل حتي الآن عن الحلول المنطقية التي تقدمت بها الدول العاقلة المسئولة في المجتمع الدولي وفي مقدمتها مصر بالاحتكام إلي إجراء تحقيق دولي شفاف بشأن الهجوم الكيميائي المفترض في دوما بالغوطة الشرقية لدمشق وفقاً للآليات والمرجعيات الدولية والدفع بالحل السلمي للأزمة السورية بعيداً عن الاستقطاب وفرض غطرسة القوة في التعامل مع قضايا أمتنا العربية.
***
مسكين هذا الشعب السوري الشقيق ونظامه الذي أتصور أنه يدفع ثمن صموده وثوابته القومية والعربية طيلة العقود الثلاثة الأخيرة منذ زمن الرئيس الأسد الأب ووقوفه في وجه العدوان الإسرائيلي علي الفلسطينيين وفي لبنان.. وأيضاً الصمود ضد المطامع التركية وتحرشاتها التي حاولت تحريرها في الأراضي السورية وأتذكر وساطة الرئيس الأسبق مبارك لمنع اعتداء تركي علي سوريا تسعينيات القرن الماضي ورحلته المكوكية التي نزع يها فتيل هذا العدوان مثلما حاول كثيراً الحفاظ علي دولة العراق التي انزلقت في المخطط الأمريكي باحتلالها دولة الكويت.
تاريخ الأطماع والمصالح الغربية طويل في منطقتنا العربية.. ولكن المأساة تتفاقم في صمت دولي مريب لا يحرِّك ساكناً تجاه كل الجرائم الإنسانية ضد أطفاله وشيوخه ونسائه وشبابه الذي فقد حياته أو تشرَّد في كل مكان.
أتصور أن تأثير تلك الصواريخ في هذا العدوان الثلاثي لن تكون أشد قسوة أو ترويعاً علي أطفال سوريا من تأثير غاز الأعصاب المشكوك فيمن قام باستخدامه.. وقد غاب العقل في هذا الاستهداف الأخير الذي لا يضمن الحفاظ علي سلامة الشعب السوري وسط هذا الاستعراض الأمريكي المهووس بالقوة والغطرسة.
***
أتصور أن ما تمر به منطقتنا العربية ليس بمعزل عن تاريخ الاستعمار القديم لأمتنا التي تعيش المأساة منذ قرون طويلة.. وإذا كان العرب ضائعين مشتتين هذه الأيام.. وبعض المتشائمين يتخيلون أنهم في طريق الانقراض.. أو أن ما يحدث في سوريا وحدث من قبل في العراق واليمن وليبيا سوف يطال الآخرين ــ حما الله مصر بفضل جيشها العظيم وحكمة وحنكة حكامها وإرادة شعبها ــ فلا جديد في الأمر.. فالعرب خارجون من دهور استعمارية فظيعة.. إنهم ظلوا أجيالاً عديدة وأعناقهم تحت المقاصل.. تذبح قومياتهم ومعنوياتهم وعاداتهم وأخلاقهم وأديانهم.. وعلي مدي السنين الطويلة ما أحسوا أبداً بالاستقرار.. وهم منذ سنوات قليلة فقط لم تطل ربما بعد سنوات التحرر من الاستعمار والاستقلال بدأوا يملكون أنفسهم.. وبدأ كل واحد من الشعب العربي في تلك الأقطار يكوِّن أسرة ويربي أطفالاً ويشتهي مجتمعاً تسوده القوانين والقيم والاستقرار.. وكان من المستحيل بعد تأبيدة الاستعمار أن يستمر هذا طويلاً. فالمؤامرات والأطماع والمصالح في المنطقة لم تهدأ ليهنأ العرب أو حتي ليصح كيان هذا المجتمع الجريح وهم يتطلعون لمستقبل أحسن لأولادهم. فسرعان ما قلب الاستعمار القديم المجن وغيَّر وبدَّل من أدواته وأسلحته من أجل الحفاظ علي مصالحه.. بل لم يتردد في إعلان أهدافه ومخططاته مثل الشرق الأوسط الجديد والفوضي الخلاقة وغيرها من مخططات تظهر في الأفق وتختفي وإن كانت للأسف بدأت تتشكل علي أرض الواقع.
ويبقي الأمل في أجيالنا الجديدة وقدراتها علي مواجهة التحديات والتوحد العربي ورأب الصدع وهذا ما تحاول أن تفعله مصر في محيطها العربي والإقليمي ومساندة الحقوق المشروعة والوقوف بقوة ضد السياسات المغلوطة.
حفظ الله مصر وأنقذ سوريا من براثن الطُغاة الذين يتعاملون بازدواجية مع القضايا والشعوب ظناً أنهم سوف يفلتون من كفاح الشعوب لنيل حقوقهم أو من عدالة السماء التي لا تقبل باختلال الميزان!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف