علاء معتمد
الأزمة السورية.. فصل جديد في فن "الميلودراما"
أهل الفن يعرفون "الميلودراما" بأنها: "فن تقديم الحزن بيد. والضحك بيد أخري. من خلال مفارقات مقبولة علي الرغم من استحالتها!".. أو ذلك النوع من التمثيليات أو الأفلام أو المسرحيات التي تزخر بالحوادث المثيرة. وتتسم بالمبالغة في كل شيء. فالممثلون يبالغون في التعبير عن العواطف والانفعالات. كما يبالغون في الحركات التمثيلية. لكي يؤثروا في المتفرجين.
وما حدث في سوريا خلال الأيام الماضية كان فصلاً هزلياً في مسرحية تثير الحزن كما تثير الضحك علي مشاهد مفبركة لأبطال يحاولون إقناع العالم بطهارتهم ونقائهم ودفاعهم عن الحرية والديمقراطية وحمايتهم للشعوب المقهورة. يتنكرون في ثياب الملائكة وهم في الحقيقة شياطين ومصاصو دماء.
يرفع الستار علي مشهد تمثيلي ساذج لأطفال يتم رشهم بخراطيم مياه.. وصرخات.. وركام.. ودخان يغطي الوجوه.. وصوت سرينة الإسعاف في الخلفية.. وشريط الأخبار علي الشاشة يقول إن هجوماً كيماوياً شنه نظام الأسد علي أهالي دوما في الغوطة الشرقية.. حبس العالم أنفاسه.. وانصبت اللعنات علي بشار ونظامه.. وانهالت المطالبات بعقابه.. وأطلق ترامب تغريداته محذرا الروس- الحليف الرئيسي للأسد- ان استعدوا فالصواريخ قادمة.. ويحشد ترامب أتباعه في بريطانيا وفرنسا لتأييد ضربة عسكرية ضد سوريا مدفوع تكاليفها مقدما.
ينتقل المشهد إلي قاعة مجلس الأمن حيث يتراشق مندوبو الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مع مندوبي روسيا والصين وسوريا.. واتهامات متبادلة لكل طرف بأنه السبب الرئيسي في الفوضي الموجودة الآن في سوريا بل في الشرق الأوسط بأكمله.. ولا مانع من أن يغلف كل مندوب كلامه بكلمات مؤثرة عن ميثاق الأمم المتحدة. ودور مجلس الأمن في حماية المدنيين العزل والأطفال الرضع والنساء الأرامل والشيوخ وكبار السن.
خلف الكواليس يتم التنسيق بين أبطال العمل علي تنفيذ ضربة جوية خاطفة ومحدودة تحفظ ماء الوجه. وتثبت أقدام الجميع علي مسرح الأحداث. ويحتفظ كل ممثل بمكاسبه بعد انتهاء المسرحية بالكامل. بالإضافة إلي ما يمكن تحقيقه من نتائج سريعة وعاجلة تخدم بعض الأطراف. فالرئيس ترامب يمكنه صرف الأنظار عن أزمته الداخلية والاتهامات الموجهة إليه بشأن علاقاته النسائية المتعددة وما كشفت عنه جريدة "نيويورك تايمز" حول وجود طفل غير شرعي لترامب من مديرة منزله السابقة. واستعداد بعض نواب الكونجرس لتقديم طلبات للنائب العام بإقالته.
يصحو العالم فجر السبت علي أخبار تؤكد سقوط 110 صواريخ علي الأراضي السورية. وضرب مجمع عسكري بالقرب من مدينة حمص وتفجير مركز للأبحاث العلمية يستخدم في الأبحاث الخاصة بتصنيع السلاح الكيماوي.
يختتم الفصل الهزلي بجلسة أخري في مجلس الأمن وتراشق جديد بين المندوبين ليسدل الستار. ويصفق الحضور. وأكثرهم من العرب الذين دفعوا تكاليف العرض وتذاكر الحفل ويستمر مسرح الأحداث منصوباً في انتظار العرض إلي دولة أخري.
ما يحدث في سوريا يعكس حال العرب المضحك لدرجة البكاء. ورغم ذلك مازال البعض في مصر قد عميت أعينهم وصمت آذانهم وذهبت عقولهم ويرفضون الاعتراف بأن الرئيس السيسي وجيش مصر قد حموا مصر من نفس المصير. وأن الموقف المصري منذ بداية الأزمة السورية وحتي الآن كان محدداً وواضحاً "لا تتخذوا من دعوي إسقاط الأنظمة هدفاً لإسقاط الدول".