المصريون
جمال سلطان
اللعبة القذرة لتغطية جريمة بشار الأسد في دوما
أثار الروس زوبعة كبيرة قبل الضربة العسكرية الأمريكية لبعض مواقع بشار الأسد بدعوى أن تلك الهجمات قد تعطل عمل فريق التحقيق الدولي في قصف مدينة دوما في غوطة دمشق بالأسلحة الكيماوية ، بدا بوتين كمن هو حريص على العدالة والتحقيقات النزيهة ، فلما وصل فريق التحقيق الدولي إلى دمشق منعته القوات الروسية من التوجه إلى دوما ، وعندما أعلنت هذه الأخبار في مختلف وكالات الأنباء العالمية وكانت محرجة للاحتلال الروسي في سوريا نفتها الخارجية الروسية وقالت أنه لا أحد منع الفريق من الوصول إلى دوما ، ثم بعد ذلك وفي اليوم نفسه ، بعد أن أعلن فريق التحقيق الدولي بنفسه منعه من الوصول إلى دوما ، قال الروس أنهم منعوا الفريق فعلا لأنه لا يحمل تصاريح من الأمم المتحدة ، فكان أن أصدرت الأمم المتحدة بيانا في اليوم نفسه تكذب الروس وتفضحهم ، وتقول أنها منحت فريق التحقيق كافة التصاريح اللازمة ، فلما وجد الاحتلال الروسي أن أكاذيبه مفضوحة أمام العالم كله ، عاد وقال أنه سوف يسمح لفريق التحقيق بالدخول إلى دوما يوم الأربعاء ، أي بعد ثلاثة أيام من وصوله بالفعل إلى دمشق .
الصورة شديدة الوضوح ، الروس وأجهزة بشار الأسد كانوا بحاجة إلى بعض الوقت لمحو آثار الكيماوي من دوما بعد أن غادرتها قوات المعارضة وأصبحت تحت سيطرة وإدارة الروس وقوات بشار ، ويبدو أن عملية إزالة آثار الجريمة استغرقت وقتا أطول مما تصوروا ، فراحوا يراوغون لكسب الوقت ، ثم في النهاية أعطوا موعدا لا معنى له لفريق التحقيق ، بعد ثلاثة أيام من وصوله ، بدون أي معنى أو تفسير ، وبعد عدد من المواقف المراوغة والكاذبة ومحاولة تضليل العدالة الدولية والكذب أكثر من مرة في اليوم الواحد دون أن يطرف لهم جفن .
الفرنسيون قالوا في بيان رسمي أنه من الواضح أن هناك جهدا تم بذله لمحو آثار الجريمة في ودما ، والأمر نفسه أكده الأمريكيون ، والحقيقة أن الصورة واضحة ، وسلوك الروس سلوك المجرم الذي يحاول التسويف وأخذ الوقت الكافي لإتمام عمل ما يقوم به قبل أن يسمح لفريق التحقيق بممارسة عمله ، من جانبها رفضت أجهزة بشار الأسد دخول الفريق إلى دوما ، وعرضوا عليهم الإقامة الفاخرة في فنادق العاصمة دمشق على أن يجلبوا لهم حوالي عشرين شاهدا من أهالي دوما لكي يقدموا شهاداتهم لفريق التحقيق ، وهو أمر مضحك ، ومعلوم من هؤلاء الشهود ، ومعلوم ما هو مصير من يقول منهم كلاما غير الذي تم تحفيظه على يد الأجهزة الوحشية للقمع والسيطرة ، بينما ـ في المقابل ـ تم الحصول على شهادات موثقة من مئات الضحايا الذين تم ترحيلهم بالفعل من دوما ووصولهم إلى شمال سوريا بعيدا عن سيطرة أجهزة النظام ، وتم تحليل ملابسهم وأجسادهم ودمائهم لتثبت كلها الجريمة الوحشية .
الروس هم الذين اعترضوا في مجلس الأمن سابقا على مد عمل فريق التحقيق الدولي في جرائم استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا ، واستخدمت روسيا حق النقض الفيتو لمنع قرار مجلس الأمن ، رغم أنه يطالب فقط بالتحقيق ولا يدين أحدا ، ولكن لأن الروس "على رأسهم بطحة" ومتورطون في كل تلك الجرائم إما بصورة مباشرة أو بصورة المتستر على الجريمة ، فقد رفضوا بإصرار مد العمل لفريق التحقيق الأممي ، خاصة بعد صدور تقرير مذبحة "خان شيخون" الذي أثبت بوجه القطع إدانة نظام بشار الأسد باستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه في تلك المدينة مما أدى لمقتل نساء وأطفال ، وبالمناسبة فهذا التقرير الرسمي للأمم المتحدة وثيقة دولية قاطعة تبثت جريمة بشار وتضعه مستقبلا تحت طائلة المحاكمة كمجرم حرب .
الإعلام السوري الرسمي والموالي له في لبنان اضطربوا كثيرا في هذه المسألة ، فقد نفوا في البداية وجود أي أدلة على وجود قصف بالكيماوي ، ثم بعد ذلك اعترفوا وقالوا أن القصف بالكيماوي حدث ولكن الذي قام به هم مقاتلوا المعارضة ، وهو التناقض الذي ورطهم في اعتراف ضمني بالجريمة ، ومحاولة التنصل منها .
سوريا تحولت إلى عبء سياسي وأخلاقي وإنساني ثقيل على الروس ، ويكفي أن روسيا عندما قدمت مشروع قرار لمجلس الأمن ضد الضربة العسكرية لنظام بشار لم تحصل سوى على تأييد ثلاثة أعضاء فقط من بين خمسة عشر عضوا ، أي أن روسيا تحولت إلى دولة منبوذة ، وليست دولة كبرى تحظى بالاحترام وتعمل بمسئولية قانونية وأخلاقية بوصفها عضوا دائما في مجلس الأمن .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف