الأخبار
كرم جبر
أين ذهب الـ «بوب»!
سر الاختفاء السريع للبرادعي هو البرادعي نفسه، فهو يرسم لنفسه عالماً افتراضياً ويعيش فيه مع نفسه، متخيلاً أنه الزعيم المبجل للثورات الماضية والحاضرة والقادمة، وأن الجماهير تحمله فوق الأعناق وتهتف باسمه، وهذا »الخيال المريض»‬ وارد لشخص مثله، لم يقدم لوطنه أي شئ وأراد أن يحصل علي كل شئ، دون أن يدرك أن أنصاره قد انفضوا من حوله، وأن الرأي العام لا يحمل له ولأنصاره إلا الكراهية والاستهجان.. حتي أنصاره المقربون كانوا يسخرون منه، عندما احتكوا به واكتشفوا تردي شخصيته، وأطلقوا عليه اللقب الشهير الـ »‬بوب».
يا خيبة من يحلم بالزعامة دون أن يمتلك مقوماتها، فيزداد ارتباكه وسوء تقديره واندفاعه، وتترسخ في أعماقه عقد اليأس والإحباط، فيقدم علي مغامرات طائشة، تدفعه بسرعة إلي مرحلة الانتحار السياسي، وكانت عودة البرادعي مصر قبل يناير 2011 انتحارا سياسيا، لأن الأوطان في أوقات الأزمات، تحتاج من يدعمها لا من يقوضها، ومن يدافع عنها لا من يهدمها، ومن ينكر ذاته لا من يشهر أطماعه، والبرادعي الذي لم تكن له أياد بيضاء علي بلده، في أي وقت وفي أي مرحلة، وأراد أن يقطف ثماراً لم يزرعها، هكذا هي شخصيته المرتبكة، ورسائله الغارقة في الانتهازية السياسية.. لم يكن سنداً ولا عوناً، عاد لمصر عودة مشبوهة، ورحل عنها أكثر اشتباهاً وقت الشدة.
لم يمتلك مقومات الزعامة، وبعد مجيئه المشئوم لمصر، اكتشف أنصاره قبل معارضيه، تردده وضعف شخصيته وانقياده وراء الآخرين، وأن زعامته من ورق وخطابه السياسي فارغ وتافه، علاوة علي التلعثم ورداءة مخرجات الألفاظ، وأن مواقفه مجرد أكاذيب. سقط القناع وظهر الوجه الحقيقي.. ولن يخرج من كهف الاختفاء، وإن حاول فسوف تطارده اللعنات.
خطيئة البرادعي التي ستظل بقعة سوداء في سجله الأسود، حين أصدر بيان الاعتذار لجماعة الإخوان الإرهابية، في وقت كانت فيه تفجيراتهم تحصد أرواح الأبرياء، ومحاولة تبرئة ذمته وأنه كان الحكيم المفوه والناصح الأمين، باللجوء إلي السلمية في فض اعتصام رابعة والنهضة، ورغم أنه كان في قلب الأحداث وعالماً بالتفاصيل، وأن استمرار الاعتصام يقود إلي ضياع الدولة، وسقوط ضحايا وإراقة دماء، واستخدم أساليب الخداع الزائف، ليس له قضية إلا البرادعي وليس له وطن إلا البرادعي.
لم يكن ممكناً أن تكون نهاية البرادعي أفضل من نهاية جندي يفر من الميدان وقت القتال، لم يأت من أجل الحرية والديمقراطية، وإنما ممارساً لأسوأ أنواع الانتهازية السياسية لركوب حكم مصر، وكلما كان يظهر كانت تخيم في سماء الأحداث سحابة سوداء.. لم تحمل كلماته وتصريحاته إلا الشر، وكأن بينه وبين بلده »‬تار بايت» أو ثأراً قديماً، ربما لأنه تخيل أنه الوريث الشرعي للحكم، بعد أن أرسلته أمريكا ليكون رئيساً بأوراق اعتماده صادرة من البيت الأبيض، وكبرت الأطماع في رأسه، عندما تصور أنه معبود الشباب والمعبر عن آمالهم وطموحهم، رغم أن »‬شباب الثورة» كانوا يعتبرونه مزحة مسلية، واعترف أحدهم في تسريباته قائلا: »‬حنجيب البوب رئيساً لمصر وربنا يسامحنا».
كان طبيعياً أن تكشف 30 يونيو الغطاء عن سياسيين مزيفين مثل البرادعي، وتسدل عليهم الستار.. وهذا هو المصير المحتوم، لشخص وضع نصب عينيه اقتناص المناصب والغنائم والمنافع، ولاعباً رديئاً في سيرك الأحداث، فوقع وانكسر زيفه وبانت حقيقته، فعالج أكاذيبه بمزيد من الأكاذيب، ومارس لعبته المفضلة وفر إلي موطنه الأصلي في فينا، حيث الحياة الناعمة والأجواء الهادئة.
- لماذا تذكرته الآن ؟
- أيام الله لا يرجعها.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف